فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

أوان الحشد الدولي ضد «الخمينية السياسية»

«كانت المملكة العربية السعودية بالنسبة إلينا في الثمانينات إحدى أهم الدول الحليفة لأميركا؛ كانت بمثابة محور الدولاب في نظرنا وعنصرا حاسما في كثير من الأهداف المهمة»، بهذه الكلمات وصف آلان هيرز العلاقة مع السعودية، كلمات من مدير عمليات «سي آي إيه» بالمنطقة إبان عهد ريغان.
لقد تمكّنت شراكة الولايات المتحدة مع السعودية من تحقيق كثير من الأهداف المشتركة، وعلى رأسها المد الشيوعي، الذي كان أثره محل هواجس الطرفين، مما سهّل من عمليات التعاون، حتى إن الأمير بندر بن سلطان وصف أثر السعودية بالكبير، معتبرا ثمن التعاون أكبر من مجازاته بصفقة «الأواكس» بل بـ«السلاح النووي». طوال تاريخ العلاقات الأميركية السعودية كانت الهواجس المشتركة هي جذوة التعاون وشعلتها منذ عهد روزفلت وحتى عهد ترمب، كان الخطر الشيوعي مشتركاً، والآن جدّت تهديدات مشتركة، حتّمت على ترمب المضي قدما نحو السعودية بوصفها الشريك الموثوق به دائما القادر على تذليل الصعاب.
لقد اختار ترمب السعودية محطة أولى؛ والسبب الأساسي رغبته بمخاطبة المسلمين، الذين يشكّلون أساس النقاش العالمي والإعلامي، إما بسبب الهجرة، وإما الإرهاب، مما يجعل السعودية مهبط الدين الإسلامي، وحاضنة الحرمين الشريفين المنبر الأهم لمخاطبة مليار ونصف المليار إنسان، سيبدد ترمب الوساوس التي تتحدث عن عدوان أميركا على المسلمين بعد الإجراءات المتعلقة بالسفر لبلدانٍ كلها إسلامية. وقد تمكّن الأمير محمد بن سلمان مع فريقه أن يصنع شراكة حقيقية متفائلة مع الإدارة الأميركية، وكلماته بالولايات المتحدة أكدت الدور القيادي لأميركا بالعالم، وعلى دور السعودية القيادي للعالم الإسلامي، ومن هنا كانت الزيارة التي سيلتقي فيها زعماء مسلمين ورؤساء حكومات ودول. الهدف كما تعبّر البيانات من الدولتين «الحشد ضد التمدد الإيراني بالمنطقة» والحديث عن «أخطار الإرهاب».
الملك سلمان في جلسة مجلس الوزراء رحّب بالرئيس الأميركي وقادة دول العالم الإسلامي، ولعل القمم التي سيعقدها ترمب مع المسؤولين السعوديين ستكون ذات أبعادٍ اقتصادية وعسكرية، بالإضافة إلى نظام دفاع صاروخي وأسلحة ثقيلة كانت إدارة الرئيس السابق أوباما رفضت بيعها للسعودية، كما ستتم مناقشة موضوع اليمن، ومن المرجح الخوض بنقاشات جدية حول آليات التعاون بغية كبح جماح إيران. لقد بقيت إيران منذ الثورة تحاول استفزاز السعودية مذهبياً وعسكرياً، وقد كان تصريح الأمير محمد بن سلمان واضحاً: «لن ننتظر أن تنتقل المعركة عندنا، بل سنعمل على جعل المعركة في إيران»، تصريح تناقلته وكالات أنباء العالم بوصفه أساس السياسة السعودية الحاليّة الحازمة والصارمة، التي لا تخاف من الحرب إن دقّت طبولها.
لقد وعد ترمب طوال حملته الانتخابية باجتثاث الإرهاب من جذوره، واستئصال ثقافة الكراهية، وتمشيط كل بقعة يتقافز فوق تربتها إرهابي، وآن الأوان أن تجتث بالتزامن جميع الخلايا الإرهابية الشيعية بالعراق وسوريا ولبنان، وذلك من خلال العمل العسكري، والتضييق المالي، وتقليم أظفاره أمنيا ورفع الغطاء عنه سياسيا، ليس من مصلحة أي دولة تبرير وجود ميليشيا على أراضيها بأساليب سياسية أو بكلماتٍ عاطفية شعرية، الإرهاب ميليشيا واحدة، لا فرق بين الميليشيا السنية ولا الشيعية، على عكس طريقة أوباما المهادن للخلايا الشيعية، والمقتنع (فكرياً وآيديولوجياً) أن الإرهاب أصله من (التراث السني) وهذا افتئات تاريخي، وأساسه الجهل بتراث الإسلام وتاريخه، وأسس الصراع، وجذوات الفتنة، وعصور الافتراق، وإذا كانت «داعش» ذات منطلقات سنية، فإن «الحشد» وفروعه وأكثر من أربعين فصيلا بالعراق وسوريا ذات منطلقات شيعية، لا فرق، الإرهاب ملّة واحدة.
كان ريغان حاسما بتعهده بدعم الدول الحليفة وحمايتها من العدوان، لقد جعل فكرة التدخل بشؤون دول الخليج من قبل الاتحاد السوفياتي خاصة باهظة الثمن، وقد أوفى بعهده، كذلك من قبل مبدأ إيزنهاور، والآن بانتظار مبدأ ترمب تجاه إيران ودول محور الشر، وقلاع العنف والرجعية والإرهاب والدم بهذا العالم، أن يكون التهديد صارماً وحازماً، فأميركا هي الدولة القادرة على كبح جماح هذه الدول المافيوية.
إن الزيارة التاريخية ستكون أساس التعاون، وذلك من خلال عزم الزعيمين الملك سلمان وترمب على إحياء التعاون التاريخي، وبدء شراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية وأمنية، للتعاون ضد «النظرية الخمينية» بالشرق الأوسط، ووضع حد لتدخلاتها وفوضويتها في المنطقة والعالم أجمع.