طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الطبلة أم القانون؟

قبل أن يختلط عليكم الأمر، فأنا أقصد بهذا العنوان، مباشرة القانون بمعناه المتعارف عليه في ساحات القضاء، وليس آلة القانون التي تُصدر أنغاماً ساحرة، والذي يعود تاريخه إلى ما قبل الميلاد، بمئات السنين، وهو يعتبر بمثابة أُم الآلات الشرقية، يقابله في الموسيقى الغربية «البيانو»، القانون في فرق التخت الشرقي، هو «ترمومتر» القياس مثل «البيانو» في الأوركسترا السيمفوني، فهم يضبطون عليه أوتارهم، وهو ما يعرف بين أهل المهنة بـ«الدوزنة»، فهو حقاً قانون بل دستور لكل الآلات.
بينما الطبلة، وهي أشهر وأهم الآلات التي توصف علمياً بالإيقاعية، لأن المساحات الصامتة بين نقرة وأخرى تحدد سرعة سريان النغم، الطبول هي أكثر الآلات التي تُحدث صخباً، ولهذا تسبق عادة بداية التراشق بالسيوف أو النيران في الحروب، لبث الحماسة في قلوب الجنود، ولهذا يتردد كثيراً تعبير «طبول الحرب»، كما أنها أيضاً تلعب دور البطولة في حفلات الزفاف مع الرق والمزاهر، فهي قادرة على لعب الدورين بنفس الكفاءة في الحرب والحب.
في المقاربة بين الطبلة والقانون، المقصود هو الفارق بين الحق الذي لا يحتاج لصوت عالٍ لإعلانه، فهو يشبه آلة القانون، وبين الباطل الذي لا يتوقف عادة عن إعلان وجوده بقوة مثل الطبلة، هذا التقابل على المستوى المجازي، منسوب للمطرب والملحن اللبناني مارسيل خليفة، فهو صاحب تلك المقولة «حتى في الموسيقى صوت الطبلة يعلو على صوت القانون».
لو زاد قطر الدائرة قليلاً ونظرت لحالنا كعرب ستكتشف أن قضايانا عادلة، خذ مثلاً الدفاع عن حق الفلسطينيين في إقامة وطن لهم والعاصمة القدس، إلا أن صوت القانون خافت، بينما إسرائيل استطاعت بطبولها الزائفة، أن تحقق كل هذه الانتصارات الإعلامية لأنها تجيد التواصل مع العالم.
كلمة «الإسلاموفوبيا»، من الممكن أن نعتبر الغرب هم الذين يروجونها، وأننا ضحايا لحملة ظالمة، ولكن تمهل قليلاً، ألم يسئ البعض منا للإسلام، بالكثير من الأفعال التي تتدثر عنوة بالشرع، يقتلون ويذبحون الأبرياء تحت مظلة يرفعونها على الشاشات باسم الدين؟
ما الذي فعلناه مثلاً سينمائياً، هل قرر العرب إنتاج فيلم عالمي يقدم الوجه الحقيقي للإسلام، كدين يحترم أصحاب كل الديانات ولا يُقهِر أحداً في الدخول تحت مظلته.
تابع أيضاً على المستوى الشخصي، من الذي يحتل أغلب الفضائيات وأغلفة المجلات، هل الفنان الصادق صاحب القضية والموقف والذي يتمتع بالموهبة؟ أم أن الأمر مفتوح لمن يجيدون فك الشفرة، مستغلين ومطبقين المبدأ الذي صار يحكم المنظومة الإعلامية والفنية والثقافية في بلادنا، وهو «المصالح تتصالح».
أتذكر مقولة «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يُصدقك الناس» المنسوبة لوزير الدعاية النازي غوبلز، القائل أيضاً كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي، إلا أنني أتصور أن الحكمة الأصدق والتي تعيش أكثر وهي المنسوبة لأبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر لأميركا، والذي يعزى إليه قرار إلغاء الرق في أميركا عام 1863، وكانت لديه حاسة أدبية ثاقبة، وله عشرات من الأقوال اللاذعة واللماحة مثل «خير لك أن تظل صامتاً ويظن الآخرون أنك أبله، من أن تتكلم فتتأكد الظنون»، ولكني أختار له هذه المرة «إنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت».
هل نحن في حياتنا نُمسك حقاً القانون أم الطبلة؟ ومثل النهايات السعيدة لأفلامنا، أكتب متفائلاً، بأن أنغام القانون الساحرة، ستنتصر في نهاية السباق، على دقات الطبول الصاخبة.