جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

أصدقاء للإيجار

هناك توجه كبير حاليا للسفر الفردي أي من دون صديق. ولا عيب في ذلك، لا بل أن هناك شركات سياحية عديدة استجابت لطلب تلك الشريحة من المسافرين وقامت بتلبية برامجهم السياحية بطريقة تتناسب مع تطلعاتهم. ونشرت «الشرق الاوسط» منذ فترة قصيرة موضوعا كاملا عن السياحة الفردية واستحوذ على إقبال عدد كبير من القراء الذين وجدوا فيه ضالتهم.
ولكن تبقى هناك مشكلة واحدة أثناء سفرك بمفردك؛ من سيقوم بالتقاط الصور لك؟ أحد المارة؟!
قد يلعب سائح مثلك دور المصور لك بين الحين والآخر، ولكن من غير المنطقي أن تقوم أنت بهذا الطلب كل ثانيتين. ولحسن الحظ تنبهت شركات الهواتف النقالة للحاجة الملحة لالتقاط الصور «السيلفية» أي على طريقة «السيلفي» فوفرت خاصية تقليب الكاميرا. ولكن تبقى مشكلة أخرى لأن جميع الصور ستظهر فيها بمفردك، فما الحل؟
الحل وجدته شركة يابانية تؤجر أصدقاء خلال السفر والمناسبات الخاصة، وهدف الشركة التي يطلق عليها «ريل أبيل» Real Appeal هو تزويدك بأناس متأنقين في أي مدينة وفي أي مكان أو زمان، يحضرون «من حيث لا تدري» ويؤدون واجب «الصديق عند الضيق» ويظهرون في صورك لتبدو سعيدا وشخصا اجتماعيا يلتف حوله الأصدقاء.
ويمكنك أيضا اختيار الأصدقاء المستأجرين وتحديد سنهم وشكلهم، ومن الممكن الاكتفاء بصورة معهم في المكان الذي تريده، أو يمكنك أن تذهب الى أبعد من ذلك فيظهروا معك في صورة للاحتفال بعيد ميلادك أو أي مناسبة أخرى أو حتى من الممكن التقاط الصور معهم في المطعم. والهدف هنا يكون لغاية الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي على أنك شخص مرغوب فيه ومحبوب من قبل الغير ومحاط بالأحباب.
وهذه الخدمة ليست مجانية فيتعين عليك دفع مبلغ 8 آلاف ين ياباني لقاء ساعتين (ما يعادل حوالي 100 دولار أميركي) وهذا ثمن كل صديق، فتكون المسألة مكلفة إذا ما أردت استئجار أكثر من صديق فحينها سيتعين عليك الاستعانة بقرض من البنك، وستكون ملزما بدفع مصاريف سفر الصديق وأكله.
لطالما لفتتني طريقة تفكير رجال الأعمال الذين يبتدعون أفكارًا لا تخطر على بال أحد. ولكن المضحك المبكي هنا أن تصل بنا الوحدة إلى حد حث عقول الأذكياء على ابتكار هذه الخدمة. فمنذ عامين تقريبا قرأت خبرا مفاده أن الصينيين يعانون من الوحدة والفراغ بشكل كبير ويعيش عدد كبير منهم في منزل صغير جدا كل بمفرده مما اضطرهم الى استنباط فكرة جهنمية تجعلهم يتناولون عشاءهم فترة المساء أمام كاميرا جهاز الكومبيوتر، ويشارك في العشاء أكثر من شخص وكل في منزله، يتسامرون ويمرحون من وراء الجهاز ليسدون فجوة الفراغ والوحدة، وهذه الخدمة مقابل مبلغ مادي أيضا.
من المؤسف أن نشعر بالوحدة في زمننا هذا على الرغم من توفر كل الوسائل المحيطة بنا. فنحن منطقيا مرتبطين ببعضنا البعض أكثر من أي وقت مضى، ولكننا فعليا معزولون عن بعضنا البعض أكثر من أي وقت أو زمن.
فهل يعقل أن يصل ببعضهم الأمر إلى استئجار الأصدقاء للصور لمجرد التباهي على الإنترنت بالكم الهائل من المهتمين بهم؟ ومن المحزن أيضا أن يعاني البعض الآخر من وحدة وشحة الأصدقاء في عالم يسكنه مليارات من البشر، فكلما قربتنا التكنولوجيا، أبعدتنا عن بعضنا وجعلتنا أسرى خلف أزرارها.
في بعض الأحيان نحتاج لفترة قصيرة لكي نتعرف إلى أنفسنا والتشاور معها على انفراد، ولكن عندما تزيد هذه الفترة عن حدها نصبح بحاجة إلى استئجار أصدقاء تماما مثلما يفعل أصدقاؤنا في اليابان.
اللهم نجنا من الأصدقاء المستأجرين!