د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

التقلبات في وزن الجسم تؤذي القلب

حالة التأرجح التي يعيشها البعض في ارتفاع وانخفاض وزن الجسم لديهم، كما في لعبة الـ«يويو»، أمر يستدعي منهم المبادرة إلى اتخاذ قرار حازم للخروج من حالة تقلبات التأرجح تلك. وما قد يعتقد البعض أنه «عمل صحي» عبر العمل على خفض وزن الجسم لبضعة أشهر، ثم بعد ذلك «تعود (حليمة) لعادتها القديمة» في عدم ضبط تناول الطعام وإهمال تناول الأطعمة الصحية، ليعود الوزن إلى ارتفاعه السابق، هو في الحقيقة «عمل غير صحي»، وله أضرار صحية مستقبلية تطال صحة وسلامة عدد من أعضاء الجسم.
وقديماً، في عام 2006، نشر الباحثون من جامعة كنتاكي الأميركية ضمن عدد 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام ذاك من مجلة «أرشيفات الطب الباطني» التابعة لـ«الرابطة الأميركية للطب»، نتائج التقلبات في وزن الجسم «Weight Cycling» بين الانخفاض والارتفاع عبر تعاقب اتباع وإهمال أنواع شتى من الحمية الغذائية. ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن ثمة علاقة قوية بين هذه السلوكيات وارتفاع احتمالات الإصابة بتكوّن حصاة المرارة. وتحديداً لاحظوا أنه كلما زاد البون اتساعاً في تقلبات وزن الجسم، ارتفعت احتمالات تكوّن حصاة المرارة.
وحديثاً، ضمن عدد 5 أبريل (نيسان) الحالي لمجلة «نيو إنغلاند أوف ميديسن الطبية»New EnglandJournal of Medicine، نشر الباحثون من قسم القلب في «مركز لانغون» الطبي بجامعة نيويورك نتائج تتبعهم تأثيرات تقلبات حمية اليويو الغذائية «Yo - Yo Dieting»، على صحة القلب واحتمالات الإصابة بأنواع شتى من تداعيات أمراض القلب نتيجة لذلك. وأفاد الباحثون أن الأشخاص الذين يُعايشون حالات التقلب في وزن الجسم ما بين 4 و5 كيلوغرامات أو أكثر، صعوداً وهبوطاً، هم أعلى عُرضة للمعاناة من أمراض القلب ونوبات جلطة القلب والسكتة الدماغية وغيرها من أمراض القلب، وذلك بالمقارنة مع الأشخاص الذين تقلبات وزن الجسم لديهم لا تتجاوز كيلوغراما واحدا أو أقل. وأفاد الدكتور سريبال بانغالور، طبيب القلب والباحث الرئيسي في الدراسة، قائلاً: «على وجه الخصوص، معايشو حالات حمية اليويو عُرضة بمقدار يفوق الضعف لخطر الموت ونوبات جلطة القلب والسكتة الدماغية مقارنة بمنْ يُحافظون على وزن جسم مستقر، وكل تذبذب في وزن الجسم بمقدار نحو كيلوغرام واحد يرفع من خطورة وقوع حادث مرضي في القلب والأوعية الدموية أو حادث مرضي في الشرايين التاجية للقلب، بمقدار 4 في المائة، ويرفع من خطورة الوفاة بمقدار 9 في المائة. وكلما ارتفع مقدار تراوح الوزن ارتفاعاً وانخفاضا، زادت نسبة الخطورة».
وكان الباحثون قد راجعوا المعلومات المتعلقة بأكثر من 10 آلاف شخص ممنْ لديهم أمراض الشرايين، وتم تتبع مقدار التقلبات والتغيرات في أوزان أجسامهم. وعلل الباحثون حدوث ارتفاع خطورة الإصابة بنوبة الجلطة القلبية والسكتة الدماغية والوفاة، بأن تقلبات الوزن واتباع أنواع الحمية لخفضه ثم إهمال ذلك، كله له تأثيرات ترفع من مستوى التوتر على الجسم، ومن ثم تحدث اضطرابات في مستويات هرمونات التوتر، مما يؤدي إلى ارتفاع النتائج السلبية على القلب.
من جانبها، علقت البروفسورة ليندا فان هورن، أستاذة طب القلب الوقائي في كلية طب فينبيرغ بجامعة نورث ويست بشيكاغو والناطقة الرسمية باسم «رابطة القلب الأميركية»، على هذه النتائج المثيرة للاهتمام، بالقول: «اتباع نظام غذائي بطريقة اليويو قد يكون مؤشراً على وجود مشكلات طبية أعمق تُؤثر على الشخص، ومنْ يُعايشون حالة اليويو هذه يكونون عادة أكثر سمنة وأكثر شراهة في التدخين ولديهم ارتفاع في ضغط الدم، ومرضى بالسكري، وهي بالأصل مؤثرة بشكل سلبي بالغ على صحة القلب، وعلى البدينين وذوي الوزن الزائد أن يعملوا جهدهم لتخفيف الزيادة في وزن الجسم، وكل تخفيف في الوزن له آثار إيجابية على صحتهم».
والمهم، كما قال الباحثون وكذلك البروفسورة فان هورن، هو العمل على اتباع جهود متواصلة لضمان خفض الوزن وضمان الاستمرار في الحفاظ على هذا الخفض لوزن الجسم، وهذا ما يمكن الوصول إليه عبر تجنب اتباع «موضات الحمية» Fad Diets، التي تحقق خفضاً سريعاً في مقدار وزن الجسم، ولا يُمكن للمرء الحفاظ على هذا الخفض السريع لعدم صواب الاستمرار في حميات الموضة تلك التي تحرم الجسم من عناصر غذائية أساسية، ومن ثم يرتفع الوزن مرة أخرى. ولأن «خير العمل أدومه وإن قلّ»، أفاد الباحثون بأن المطلوب هو التركيز على عمل دؤوب وطويل الأمد للحفاظ على وزن طبيعي للجسم عبر تناول الأطعمة الصحية وممارسة التمارين الرياضية اليومية وتحقيق خفض متدرج ومنطقي وصحي في مقدار وزن الجسم، دون اللجوء إلى الخفض السريع الذي لا يُجدي صحياً على المدى البعيد. وأضافت البروفسورة فان هورن قائلة: «الطريقة الوحيدة والناجحة هي تبني أسلوب حياة يتضمن فعل الأشياء التي نعلم جميعاً أنها وسيلة لخفض وزن الجسم بطريقة صحية ويُمكن الحفاظ عليها طوال الحياة».
ومن الثابت اليوم علمياً، وفي جوانب صحية شتى، أن تبني اتباع حميات غذائية «سريعة المفعول» في تحقيق خفض سريع في وزن الجسم، يعطي نتائج إيجابية «سريعة الذوبان» وسريعة الزوال، وتبقى آثارها السلبية على المدى البعيد، ذلك أنها حميات غذائية تحقق اضطرابات عدة في أنظمة عمل الجسم وتتسبب بنقص في كثير من العناصر الغذائية اللازم توفرها في الجسم. وعلى سبيل المثال، فإن علاقة تكوّن حصاة المرارة باتباع حميات غذائية خالية من الدهون، تتسبب في اختلال تركيب مكونات سائل المرارة وتتسبب بتدني حصول انقباضات المرارة حال تناول وجبات محتوية على الدهون، وهما ما قد يتسببان بارتفاع احتمالات تكون حصاة المرارة.