نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

المحاكم الأميركية... وحظر بعض الأسماء

ترفض ولاية جورجيا الموافقة لزوجين على تسمية وليدهما باسم مركب، الجزء الثاني منه هو لفظ الجلالة (الله)، لكن السبب هنا لا يتعلق بالدين، لأن الدولة اشترطت أن يكون الاسم الثاني للطفل هو اسم الأب. وفي الحقيقة، فإن ما يحدث غير دستوري، والسؤال هنا ليس مفتوحاً للاجتهاد، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلاً أكبر عما يعنى تسمية طفل من الناحية القانونية، وما هي حقوق الوالدين التي يتعين على الحكومة مراعاتها. ليس من حق الحكومة أن تملي عليك اسم طفلك، أو حتى اللقب الذي تستخدمه عندما تتحدث مع طفلك، إذ إن هذا يندرج في خانة حرية التعبير، وفي الحق في تحديد طريقة تعاملك مع دائرتك المقربة، وذلك وفق بنود الدستور.
لكن الأمر يختلف كلياً بالنسبة لحالة استخدام لفظ الجلالة (الله) التي نحن بصددها الآن، فالقضية هي إلى أي مدى يحق للدولة التدخل في تسجيل اسم طفلك الجديد في شهادة الميلاد؟
قد يقول قائل إن تسجيل اسم المولود لا يندرج داخل حدود الحماية الدستورية لحرية التعبير أو الخصوصية. صحيح أن الاسم مدون على ورقة رسمية، لكن صحيح أيضاً أنه لا أحد يستخدم تلك الورقة غير الحكومة. فإن كان هذا صحيحاً، فتستطيع ولاية جورجيا وضع قيد على اسم العائلة، شريطة ألا يكون هناك أي دوافع تمييزية وراء ذلك.
وقد وجد هذا الرأي تأييداً من المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 1986، لقضية حملت اسم «باون في روي». ففي تلك القضية، أراد ستيفين جي روي وكارين ميلر الحصول على بطاقات الطعام لأسرتهم. وبحسب الإجراءات البيروقراطية المتبعة، تعين عليهم الحصول على رقم التأمين الاجتماعي لطفلتهم التي لم يتعدَ عمرها حينذاك عامين، والتي أسمياها «ليتل بيرد أوف ذا سنو»، ويعنى طائر الثلج الصغير. ولأسباب دينية، لم يرد الأب روي التقدم للحصول على رقم تأمين اجتماعي لابنتهم. وبحسب وصف المحكمة العليا، كان روي الذي تعود جذوره للهنود الحمر في الولايات المتحدة قد اعتقد بشكل قوي أن «رقم ابنته الخاص بالتأمين الاجتماعي كوسيلة للتعريف قد اقترن مع استخدامات أخرى خارجة عن سيطرته، وهو ما قد يتسبب في سلب روح ابنته، مما يمنعها من الحصول على قوى روحية أكبر».
بصراحة، أعتقد أن ما فعله روى قد قادنا إلى شي مهم، وهو البيروقراطية التي يجرى التعامل من خلالها مع الرقم القومي بوصفه آلية مهمة لتنظيم العمل الحكومي، والسيطرة عليه في العصر الحديث. ما حدث أن المحكمة رفضت جدال روي، والسبب كان قوانين ولاية جورجيا فيما يخص اختيار الاسم، حيث جاء الحكم ليقول إن «قانون حرية اختيار الاسم لا يعنى ببساطة أن الحكومة مطالبة بتعديل أوضاعها لكي تتوافق مع المعتقدات الخاصة بمواطنين بعينهم».
وفي المجمل، أفادت المحكمة بأن رقم التأمين الاجتماعي المخصص لمواطن هو أمر يخص الحكومة وحدها، ولا يخص المواطن. وقياساً على ذلك، قالت المحكمة إن «اعتراض روي على استخدام الحكومة لرقم التأمين الاجتماعي لابنته لا يختلف عن القول مثلاً إن الدين يعترض على لون وحجم الخزائن التي تحتفظ فيها الحكومة بملفاتها».
ويمكن القول إن التسجيل الرسمي لاسم ما لغرض بيروقراطي يشبه تسجيل رقم قومي، إذ إن الغرض هنا حكومي أكثر منه شخصي. ولنتأكد من صحة هذا الزعم، فكثير من العوامل الحكومية وغير الحكومية، بدءاً من منظمات الرعاية الصحية إلى البنوك، ستطلب منك تدوين الاسم المسجل في شهادة ميلاد الطفل، والشيء نفسه ينطبق على رقم التأمين الاجتماعي أيضاً.
غير أن أفضل جدال متعلق بحرية اختيار الاسم كحق دستوري جاء فيما طرحه البروفسور كالرتون لارسون، الأستاذ بكلية ديفيس للحقوق بجامعة كاليفورنيا، حيث قام لارسون بمراجعة قوانين تسمية الأطفال بمختلف الولايات، وكان بعضها لا يشترط أن يكون الاسم الأخير هو نفسه اسم الأبوين، لكن في الوقت نفسه فإن القوانين تحظر الأسماء الطويلة والحمقاء والفاحشة. ويرى لارسون أن حرية التعبير تتضمن حرية اختيار اسم الطفل الوليد، وأن تقييد القوانين للأسماء يكون دستورياً فقط في حال اجتاز الاسم عملية تدقيق مشددة، بمعنى أن الاسم يتوافق مع مصلحة الدولة، وأن يكون قد اختير لتحقيق هذا الهدف. ويجادل بقوة في أن الولايات التي تحظر وضع علامات مميزة في أسماء الأطفال، مثل وضع الفاصلة في نهاية اسم جوزي أو ماريا، تعد خرقاً لحق الوالدين، خصوصاً أن الولاية نفسها لا تحظر اسماً مثل «أوكيفي» الذي يحوي فاصلة علوية بعد حرف الواو.
لكن في ورقة بحثية، أيد لارسون وضع قيد غير موجود في القانون الأميركي الحالي، وهو اشتراط قانوني يحظر استخدام الأسماء التي قد تتسبب في «إلحاق أذى كبير دائم ومستمر لمشاعر الطفل ونشأته الاجتماعية».
اعتقد أن قانوناً مثل هذا من الصعب على الولايات تنفيذه؛ هل من الضرر أن نسمى طفلا ملحقا بلفظ «الله»؟ يعتمد هذا على البيئة التي نشأ فيها الطفل، فأمر كهذا سيكون بالغ الخطورة في حال جرى تطبيقه في الدول التي تسكنها غالبية مسلمة، أو في الدول التي تنتشر فيها كراهية الإسلام، لكن قد لا يمثل هذا الأمر مشكلة تذكر في بلاد أخرى.
الخلاصة أنه يجب السماح للولايات بحظر أسماء الأطفال وفق أسباب عقلانية، وحظر الأسماء التي تنطوي على تمييز. فبالنسبة للدولة، فإنها ليست صاحبة مصلحة في حظر أي اسم، وحتى الأسماء الطويلة، أو التي تتكون من مقاطع عشوائية، فجميع الأسماء يمكن استيعابها في عصر الكومبيوتر.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»