محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

جينات السعادة في أجسادنا

أرهفت سمعي إلى البروفسورة الهولندية المتخصصة في علم الوراثة وهي تتحدث في محاضرة عما إذا كانت السعادة نابعة من جيناتنا أم من عوامل أخرى نتعرض لها في حياتنا. وتنبع أهمية هذه الباحثة من كونها أنجزت نحو 160 دراسة علمية محكمة ذات صلة بالسلوك وعلم الوراثة، وهي لم تتجاوز منتصف الأربعين، أبرزها دراستها الأخيرة التي درست فيها معلومات جينية لنحو 300 ألف شخص في العالم لتحدد لأول مرة في التاريخ تلك الجينات المسؤولة عن اختلاف مشاعر السعادة بيننا.
باختصار تبين علمياً أن مشاعر السعادة والاكتئاب والقلق التي تنتابنا تعود لعوامل وراثية في جيناتنا. فعندما سئل المشاركون أسئلة كثيرة عن مدى سعادتهم وغيرها، تبين أن هذه الجينات مسؤولة عن تلك السلوكيات. وحتى حينما جمعت في دراسة نادرة عينة من التوائم غير المتشابهين والمتشابهين الذين عاشوا منفصلين منذ صغرهم في بيئات متباعدة معظم حياتهم مثل النرويج وأميركا وأماكن أخرى، تبين أن التوائم المتشابهين الذين باعدت بينهم ظروف الحياة كانت نتائجهم متطابقة بصورة لافتة حينما يتعلق الأمر بالسعادة ووجود جيناتها فيهم، وذلك بعد أن خضعوا لاختبارات محددة. وكانت هذه النتيجة من أوائل الدلائل على أن الجينات تلعب دوراً في مشاعر السعادة.
وهذه ليست بشرى سارة لمن اعتاد أن يعلق تعاسته على غيره؛ ذلك أن الباحثة مايكي بارتيلز أستاذة السلوك وعلم الوراثة الكمية في جامعة «في يو أمستردام»، صاحبة الدراسة نفسها، قد توصلت إلى أن ارتفاع جينات الاكتئاب لدى البعض لا يعني أنهم سيكابدون مرارته طوال حياتهم، فقد ينعمون، لحسن الحظ، بتوافر سبل الحياة المريحة أو أن نوع الجين عرضة للتأثر بعوامل خارجية كالبيئة المحيطة بنا، أو ربما يتأثر بمأكلنا ومشربنا، وأفعالنا وغيرها.
ويعكف العلماء حالياً جاهدين على دراسة كيف تؤثر البيئة المحيطة على جينات السعادة؛ لأنهم إن فهموا ذلك صار ممكناً الوصول إلى طرق جديدة يمكن أن ينعم الإنسان من خلالها بحياة أفضل وأمتع.