د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

هل يُمكن أن تجتمع السمنة والصحة؟

في واحدة من أوسع الدراسات الطبية حتى اليوم حول علاقة مقدار الارتفاع في وزن الجسم بارتفاع احتمالات وجود عوامل خطورة الإصابة بالأمراض القلبية أو بمرض السكري، لاحظ الباحثون من الولايات المتحدة أن واحداً فقط من بين كل 7 أشخاص ممنْ لديه سمنة أو زيادة في الوزن هو بالفعل ليس مصاباً بأحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب، أما البقية، أي 6 من بين كل 7، فلديهم إما واحد أو أكثر من عوامل الخطورة تلك. وتعيد هذه الدراسة الحديثة والواسعة طرح السؤال الذي يتردد كثيراً في الأوساط الطبية، وهو: هل حقيقة ثمة ما يُمكن وصفه بحالة «سمنة صحية» (Healthy Obesity)؟
وبداية، تصنف الأوساط الطبية وزن الجسم باستخدام «مؤشر كتلة الجسم» (BMI)، وهو ما يتم حسابه بقسمة وزن الجسم بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر، أي أن مؤشر كتلة الجسم لشخص طوله 170 سنتيمتراً، أي 1.7 متر، ووزنه 80 كيلوغراماً، هو 28. وحينما يكون «مؤشر كتلة الجسم» للشخص أقل من 18.5، فإن لديه نقصاً في وزن الجسم (Underweight). وما بين 18.6، و25 يكون وزن الجسم طبيعياً (Normal Weight)، وما بين 26 و30 تكون الحالة هي «زيادة وزن الجسم» (Overweight)، أما أعلى من 30 فهي حالة «السمنة» (Obesity)، وأعلى من 40 هي «سمنة مفرطة» (Morbid Obesity) بالتعريف الطبي.
كما أن هناك مجموعة من «عوامل خطورة» (Risk Factors) الإصابة بالأمراض القلبية، من ضمنها الإصابة بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم وانخفاض الكولسترول الثقيل أو الحميد (HDL) وارتفاع الدهون الثلاثية (Triglycerides)، وهي العوامل الأربعة التي تابعها الباحثون في دراستهم الحديثة هذه، وأطلقوا عليها اسم «Cardiometabolic Risk Factors» (CRFs)، وذلك دون تركيزهم في الدراسة على عوامل أخرى مرتبطة بالعادات وسلوكيات الحياة اليومية كالتدخين والإفراط في تناول الكحول وعدم ممارسة الرياضة البدنية وتناول الأطعمة غير الصحية وغيرها.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 9 مارس (آذار) من مجلة الوقاية من الأمراض المزمنة (Preventing Chronic Disease)، الصادرة عن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها (CDC)، قام الباحثون من مركز البحوث الصحية (Center for Health Research)، وبدعم من مركز نتائج البحوث المُركّزة على المرضى (Patient - Centered Outcomes Research Institute) بالولايات المتحدة، بإجراء دراسة واسعة النطاق شملت نحو مليوناً وثلاثمائة ألف من البالغين الأميركيين الذين معروف بداية أن لديهم إما سمنة أو زيادة في الوزن، وتابعت لديهم مدى الإصابة بأحد العوامل، ذات التصنيف القلبي الأيضي (CardioMetabolic)، التي ترفع من احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب أو شرايين الدماغ أو مرض السكري.
ومن بين هؤلاء البالغين المشمولين في الدراسة، وجد الباحثون أن 14 في المائة فقط من بين منْ لديهم سمنة أو زيادة وزن لا يعانون من عوامل الخطورة القلبية تلك، ولديهم نسبة طبيعية للسكر في الدم ومعدلات طبيعية للكولسترول الثقيل والدهون الثلاثية وقياس طبيعي لضغط الدم، والبقية لديهم اضطرابات في أحد أو مجموعة من تلك المؤشرات الصحية. وتحديداً، لاحظ الباحثون أن ثمة علاقة عكسية فيما بين هذه العوامل ووزن الجسم، ذلك أن نسبة من ليست لديهم عوامل خطورة كانت 18 في المائة فيما بين منْ لديهم «زيادة في الوزن» فقط، ثم تدنت تلك النسبة لتصل إلى 10 في المائة فيما بين منْ لديهم «سمنة»، ثم تدنت أكثر فيما بين منْ لديهم «سمنة مفرطة» (Morbid Obesity) لتصل إلى 6 في المائة، أي أنه كلما زاد مقدار وزن الجسم تناقصت احتمالات أن يكون المرء لا يعاني من عوامل الخطورة المشمولة بالدراسة.
وحتى مع هذه النسبة المنخفضة لـ«الطبيعيين صحياً» أو منْ لديهم «أيض صحي» (Metabolically Healthy)، فيما بين منْ لديهم سمنة أو زيادة وزن، فإن وصفهم بـ«بدناء أصحاء» هو وصف خاطئ، كما قال الدكتور غريغوري نيكولاس، كبير الباحثين في مركز البحوث الصحية في بورتلاند بأوريغن والباحث الرئيسي في الدراسة، وأضاف قائلاً: «مجرد كونهم لا يعانون حالياً من عوامل الخطورة الصحية لا يعني أنهم سيظلون كذلك مستقبلاً». واستطرد في تفصيل هذا الجزم منه، أي في عدم استمرار الخلو من عوامل خطورة الإصابات بأمراض القلب مستقبلاً، بما لاحظه الباحثون في نتائج دراستهم حول مدى انتشار الإصابة بالعوامل تلك مع التقدم في العمر، وهو أن فيما بين البدناء وذوي الوزن الزائد ممنْ أعمارهم بين 20 و34 سنة كانت نسبة من لا يعانون من عوامل الخطورة تلك هي 29 في المائة وتقل تدريجياً مع التقدم في العمر لتصل نسبتهم إلى 2.5 في المائة فيما بين البدناء وذوي الوزن الزائد ممنْ أعمارهم فوق 80 سنة.
والمسألة مجرد وقت كما قال الدكتور نيكولاس. وأضاف كذلك أنهم، أي البدناء وذوي الوزن الزائد «يظلون طوال الوقت أعلى عُرضة للإصابة بمشكلات في المفاصل، وهم أيضاً أعلى في احتمالات الإصابة بأنواع من الأورام السرطانية، ومُعرضين بنسبة مرتفعة للإصابة بأمراض الكلى، وهكذا دواليك». واستطرد كذلك بقوله: «إضافة إلى أن نتائج دراسات طبية سابقة أفادت بأن البدناء أعلى عُرضة لاحتمالات الوفاة المبكرة مقارنة بأقرانهم ممنْ هم في العمر نفسه ولديهم وزن طبيعي للجسم».
وبالنظر من جهة مقابلة إلى نتائج هذه الدراسة المهمة، نرى أن دخول الإنسان إلى مناطق زيادة الوزن ومناطق السمنة هو بالفعل أمر يستوجب بدء الاهتمام بتعديل هذا الوضع للعودة إلى مناطق الوزن الطبيعي للجسم. والجيد في الأمر برمته أن هذا الأمر «ممكن» وليس غير قابل للحصول. والعودة إلى مناطق الوزن الطبيعي تعني إبعاد أشباح الإصابة بعوامل مؤثرة سلبياً على صحة القلب وعلى صحة الدماغ وصحة الكلى وغيرها من الأعضاء المهمة بالجسم، خصوصاً أن 6 من بين كل 7 أشخاص لديهم أحد العوامل الضارة بصحتهم.