عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

عندما يصبح المسلمون أغلبية في العالم!

عندما سئل غيرت فيلدرز، مؤسس وزعيم حزب «الحرية» الهولندي اليميني المتطرف، الأسبوع الماضي عن سبب مشكلته مع المسلمين وتصريحاته العنصرية المتكررة الموجهة ضدهم، قال للصحافيين: «ليس لدي مشكلة مع المسلمين، إنما مشكلتي مع الإسلام»!
لم يتوقف فيلدرز عند هذا الحد من الكلام البليد، بل مضى ليقول إنه يريد منع القرآن في هولندا، واصفاً الإسلام بأنه آيديولوجيا متعصبة وليس ديانة.
هذا الفهم الملتبس أصبح أمراً سائداً في أوساط أحزاب اليمين المتطرف والعنصرية، التي تريد التكسب شعبياً وانتخابياً من النفخ في العداء للإسلام والمسلمين، واستثمار أجواء «الإسلاموفوبيا» والعداء للمهاجرين، ومناخ الخوف والريبة، بسبب عمليات الإرهاب وممارسات أمثال «داعش» و«القاعدة».
كلام فيلدرز مضحك في غبائه، فهو حاول أن يتذاكى بأن مشكلته مع الإسلام وليس مع المسلمين، في حين أنه يتهجم على عقيدتهم، وينعتهم في الوقت ذاته بمختلف الأوصاف السلبية والعنصرية. الرجل صنع اسمه من شعارات التطرف والعنصرية، وهو يصعّد لهجته اليوم في موسم الانتخابات العامة الهولندية التي ستجري الأسبوع المقبل، إذ يرى فرصة للتكسب من موجة «الإسلاموفوبيا» والعداء للمهاجرين.
لا أحسب أنه يغيب عن أي إنسان سوي أن المشكلة ليست في الإسلام بوصفه دينا يعتنقه أكثر من مليار و600 مليون إنسان حول المعمورة، وإنما في بعض المسلمين الذين يرتكبون تجاوزات باسم الدين، وفي ممارسات قلة ضئيلة من الإرهابيين تستهدف المسلمين مثلما تستهدف الغربيين وغيرهم. والتجاوزات ليست أمراً محصوراً في الإسلام دون غيره من الديانات. فباسم المسيحية ارتكبت مجازر وحدثت تجاوزات، وكذلك باسم اليهودية، وغيرها من الديانات. لكن الذين يتاجرون بالتهجم على الإسلام والمسلمين، لا يبحثون عن المنطق، ولا عن نشر مشاعر التعايش والتسامح، بل يخدمون أجندتهم ويرون فرصة للتكسب من تضخيم المخاوف من المسلمين.
كثير من الدراسات والاستطلاعات أكدت أن النظرة السلبية للمسلمين تزايدت في العقدين الأخيرين، وبوجه خاص منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة. ففي أوروبا مثلاً وجدت دراسة أجراها مركز أبحاث «بيو» الأميركي أن النظرة السلبية للمسلمين منتشرة ومرتفعة في دول أوروبا الشرقية والجنوبية (المجر سجلت 72 في المائة، وإيطاليا 69 في المائة، وبولندا 66 في المائة، واليونان 65 في المائة)، مقارنة بفرنسا وألمانيا، حيث كانت النسبة 29 في المائة، بينما سجلت 28 في المائة في بريطانيا، أما في الولايات المتحدة فقد وجد المركز في استطلاع أجراه العام الحالي أن الأميركيين وضعوا المسلمين في ذيل القائمة عندما طلب منهم وضع الديانات بالترتيب وفقاً لميزان الإيجابية والسلبية.
مشاعر التخويف من الإسلام في الغرب تجعل كل ما له علاقة بالمسلمين عرضة للتضخيم والتهويل، والانطباعات الخاطئة؛ ففي بريطانيا مثلا أظهر أحد الاستطلاعات أن نسبة كبيرة من البريطانيين يعتقدون أن المسلمين يشكلون نسبة 17 في المائة من تعداد السكان، بينما هم في الحقيقة أقل من 5 في المائة. الانطباع ذاته يتكرر في أوروبا، إذ يحسب كثير من الناس أن المسلمين يشكلون 20 في المائة من سكان القارة، بينما هم في الواقع نحو 7 في المائة، وقد أكدت هذا الأمر أيضاً دراسة مسحية أجرتها شركة إيبسوس موري البريطانية المتخصصة في الاستطلاعات ودراسات السوق؛ فقد وجدت الدراسة التي نشرت العام الماضي أنه في 40 بلداً في أوروبا إضافة إلى أميركا وكندا وأستراليا كانت انطباعات الناس عن أعداد المسلمين في بلدانهم مضخمة كثيراً ومختلفة تماماً عن الواقع؛ ففي أستراليا مثلاً قدر الناس نسبة المسلمين بنحو 12 في المائة من عدد السكان، بينما الحقيقة أن النسبة أقل من 3 في المائة، وفي أميركا كان الانطباع أن النسبة 16 في المائة بينما هي في الواقع 1 في المائة.
في خضم الانطباعات الخاطئة والأجواء السلبية السائدة اليوم، هناك حقيقة تؤكدها الأرقام والدراسات، وهي أن الإسلام أسرع الديانات نمواً في العالم، وخلال هذا القرن سيصبح الديانة الكبرى في العالم متجاوزاً المسيحية؛ فالمسلمون يشكلون اليوم نسبة 23 في المائة من سكان العالم بتعداد قدره مليار و600 مليون نسمة، ويعتبرون الديانة الثانية بعد المسيحية التي تضع الدراسات الغربية عدد معتنقيها في حدود 2.2 مليار نسمة. لكن ما بين الفترة الممتدة من الآن وحتى عام 2050 ستكون معدلات الزيادة بين المسلمين بنسبة 73 في المائة مقابل 35 في المائة للمسيحيين، و16 في المائة لليهود، و34 في المائة للهندوس (وفقا لدراسة نشرها مركز بيو قبل أيام)، وبذلك سيصبح الإسلام هو الديانة الكبرى على مستوى العالم.
هذا الأمر سيشكل فرصة للمسلمين وتحدياً في الوقت ذاته. فالحقيقة أن الزيادة الرقمية في حد ذاتها لن تعني الكثير، اللهم إلا إذا استوعبنا أهمية التنوع والتسامح والتعايش. فالمسلمون في امتدادهم وانتشارهم بين الأعراق والقارات والدول ليسوا موحدين ثقافياً، ولا جغرافياً، ولا تاريخياً رغم رابطة العقيدة. وهم في إطار عقيدتهم وفي ظل تنوعهم في حاجة إلى الانفتاح أكثر على بعضهم بعضا ونحو العالم، مثلما أنهم معنيون بإبراز منهج الاعتدال والوسطية في وجه التطرف، وسياسات التخويف.