د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

وصف الأدوية بطريقة غير رسمية

لا تزال قضية وصف الطبيب لدواء ما بـ«طريقة غير رسمية» إحدى الممارسات الطبية التي لا يبدو أن لها حلولاً في المستقبل المنظور، وهو ما أثاره الباحثون من جامعة مونتريال في كندا أخيرا.
وثمة ما يُعرف لدى الأوساط الطبية بـ«وصف غير رسمي للدواء» Off - Label Prescription، ويُقصد به على سبيل المثال كتابة الطبيب لـ«روشتة» لمعالجة المريض تتضمن وصف تناول دواء معين لم يتم أخذ موافقة الهيئات المنظمة لاستخدام الأدوية على استخدامه لمعالجة تلك الحالة المرضية المعينة التي لدى المريض، بل لحالات مرضية أخرى ليست هي التي يشكو أو يُعاني منها المريض.
ويذكر المجمع الأميركي للسرطان ACS في نشراته التثقيفية الموجهة للمرضى، أن أي عقار جديد في الولايات المتحدة يتم اختباره عبر دراسات عدة قبل نيل تصريح استخدامه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، وهذه الاختبارات تبين أن العقار يعمل لعلاج حالة طبية معينة، وأنه يعمل بالطريقة المتوقعة وأنه آمن عند استخدامه وفق التوجيهات. وعندما تطمئن إدارة الغذاء والدواء أنه يعمل بكفاءة وأنه آمن للاستخدام، يتم من قبلها ومن قبل منتج الدواء وضع نشرة مرفقة توضع داخل علبة الدواء Drug Label، وتوضح كثيرا من المعلومات عن هذا العقار للمتخصصين الطبيين ولمستخدمي هذا العقار، وهذه النشرة يجب أن تنال موافقة إدارة الغذاء والدواء. ومن أهم مكونات النشرة قائمة بالحالات المرضية التي يُمكن استخدام هذا العقار في علاجها.
وعند استخدام العقار بطريقة تختلف عن تلك التي تضمنتها النشرة الخاصة به، والتي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء، فإن هذا الفعل الطبي يُوصف بأنه استخدام «غير رسمي»، ويسمى وصف الطبيب له كعلاج بأنه «وصف غير رسمي»، وهو ما قد يشمل استخدام الدواء في علاج حالات مرضية غير التي تضمنتها نشرة الدواء المرفقة Different Disease أو إعطائه للمريض بطريقة غير المذكورة في النشرة Different Route أو إعطائه بجرعة مختلفة عما تضمنته النشرة Different Dose.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 21 فبراير (شباط) من المجلة الطبية البريطانية BMJ، تابع الباحثون الكنديون أكثر من 100 ألف وصفة طبية للأدوية المضادة للاكتئاب Antidepressant للمرضى في مقاطعة كيوبيك بكندا خلال الفترة ما بين 2003 و2015، تمت كتابتها من قبل 174 طبيبا كنديا. ولاحظ الباحثون أن الأطباء غالباً ما يصفون الأدوية تلك لعلاج حالات أخرى، مثل الصداع النصفي بطريقة «وصف غير رسمي». وتحديداً فإن ثُلث الوصفات كانت لعلاج الألم أو الأرق أو الصداع النصفي أو حالات مرضية أخرى لم يتم التصريح بها.
كما وجد الباحثون أن غالبية الحالات التي تم الوصف لها بطريقة غير رسمية هي حالات لا توجد أدلة علمية قوية تدعم استخدام أدوية علاج الاكتئاب في معالجتها، وأن في 16 في المائة فقط من تلك الحالات توجد أدلة علمية قوية تدعم ذلك الاستخدام في معالجتها. وقال الباحثون إنه ربما يجهل بعض الأطباء ألا أدلة علمية تدعم استخدام ذلك الدواء في معالجتها، كما أن بعض الأطباء قد يعلم أن لها آثاراً جانبية، كالتسبب بالنعاس، فيصفها لعلاج الأرق بدلاً من وصف الأدوية المخصصة لعلاج قلة النوم، بسبب بعض آثارها الجانبية غير المرغوب فيها، وتوقع الباحثون أن يكون سلوك الأطباء في الولايات المتحدة شبيهاً بسلوك الأطباء في كندا حول هذا الأمر إلا أنهم لم يجزموا بذلك.
وفي مقالته التحريرية المرفقة بالدراسة، ذكر الدكتور دانيل مورالز، أن بعض الاستخدامات غير الرسمية للأدوية قد تدعمها أدلة علمية قوية، ولكن الشركة المنتجة للدواء لا تريد بذل مزيد من الجهد في الحصول على تصريح جديد يُوسع مجالات استخدام ذلك العقار؛ لأن الحصول على ذلك الترخيص هو بالفعل عملية معقدة ومُكلفة وقد لا تجني الشركة المنتجة من وراء ذلك أي فائدة.
والواقع أن الحالة الوحيدة التي ربما تبذل الشركة المنتجة للدواء جهوداً في الحصول على تصريح إضافي بتوسيع نطاق استخدام الدواء في حالات أخرى، هو حينما لا تكون مدة الإنتاج الحصري للدواء قد انتهت؛ لأن تلك الإضافة تطيل أمد امتياز الإنتاج الحصري للدواء، بخلاف تجاوز تلك المرحلة.
من جانب آخر يشير المجمع الأميركي للسرطان إلى أنه لا تتم عملية تنظيم للاستخدام غير الرسمي للدواء، ولكنه لا يزال سلوكا قانونيا في الولايات المتحدة وكثير من الدول الأخرى، والاستثناء الوحيد هو في حالات الأدوية المحتوية على مواد مخدرة، ذلك أن الأدوية المخدرة قانونياً لا يُمكن وصفها إلا في الحالات المرضية المُصرّح بها. وأضافت أنه لا يزال قانونيا للأطباء وصف الأدوية بطريقة غير رسمية بينما لا يحق للشركات المنتجة للدواء تسويقها عبر الدعاية في غير معالجة الحالات المُصرّح بها، ولذا قال المجمع، إن التسويق غير الرسمي Off - Label Marketing يختلف عن الاستخدام غير الرسمي Off - Label Use.
وتحت عنوان «ما المشكلات التي يتسبب فيها وصف الاستخدام غير الرسمي للأدوية من قبل الأطباء؟»، يجيب المجمع الأميركي للسرطان بأن المشكلة الأكبر هي السداد، أي تكفل شركات التأمين الطبي بدفع التكلفة المادية للأدوية التي يصفها الطبيب لمريضة بطريقة غير رسمية، وهو جانب مهم لمرضى السرطان وفق ما وضحه المجمع بتفصيل واسع لذلك الجانب وجميع المرافعات والتغيرات القانونية التي حصلت منذ عام 1993. وأضاف المجمع أن هناك مشكلة أخرى وهي الضرر القانوني عند عدم التزام الطبيب بمعايير الرعاية في تقديم المعالجة للمريض، وهو ما قد يُعرض الطبيب للمسائلة القانونية.
وتظل هذه القضية الطبية عالقة، كما يقول المجمع الأميركي للسرطان؛ لأن إدارة الدواء والغذاء لا تشرف على تنظيم عمليات الممارسات الطبية، وأنه بمجرد إعطائها موافقتها للعقار يُمكن للأطباء، المرخص لهم بممارسة مهنة الطب Licensed Doctors، استخدامه لأي غايات علاجية يرونها ضرورية في معالجة المريض.