خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حافظ إبراهيم والشاعر المجهول

تغص دنيا الشعر والأدب بالألغاز. يتكتمون بمن يخاطبون ويتركون النقاد والمؤرخين ينبشون في كتب التاريخ والسيَر حتى يجروا بنا إلى متاهات من أمرنا. من أشهر هذه الألغاز الأدبية التي حيرت الجميع المرأة التي يغدق وليم شكسبير في ذكرها، دون أن يعطينا أي دليل يشير إلى هويتها. راح النقاد يشيرون إليها بالسيدة الداكنة للسوناتات (The Dark Lady Sonnets). نحن نعرف أن السونات نوع من القصيد، ولكن الشاعر يتركنا في بحار من الغموض بالنسبة للسيدة الداكنة. ما الذي أوقع شكسبير في حبها والإنجليز غير مغرمين بالمرأة السوداء، على الأقل في زمن شكسبير؟ بيد أن مؤرخًا ادعى في سنة 1913 أنه اكتشف من هي. قال إنها كانت امرأة لعوبًا وزوجة لمترجم إيطالي عاش في إنجلترا، والله أعلم.
أوقعنا الشاعر المصري حافظ إبراهيم في لغز محير، مشابه لحد ما عندما نشر في الجزء الأول من ديوانه قصيدة، قال إنه تسلمها من شاعر آخر. لم يذكر لا هو ولا الناشر. من كان ذلك الشاعر الآخر الذي نظم قصيدة طويلة من تسعين بيتًا يتعرض بها لحافظ إبراهيم. وكان لها وقع كبير على حافظ، بحيث حركته لنظم ونشر قصيدة بنحو ذلك الطول عن ذلك الشاعر المجهول الذي حير النقاد.
يبدأ أولاً بالثناء عليه فيقول:

وافى كتابك يزدري
بالدر أو بالجوهر
فقرأت فيه رسالة
مزجت بذوب السكر
أجريت في أثنائها
نهر السجام الكوثر
وفرطت بين سطورها
منظوم تاج القيصر

ثم يمضي الشاعر ليعبر عن شوقه لذلك الشاعر الزميل، ويتطلع إلى لقياه فيقول:

أفتى القوافي كيف أنـ
ـت فقد أطلت تحسري
أترى أراك أم اللقا...
...ء يكون يوم المحشر؟

وإذا بحافظ إبراهيم ينتقل هنا إلى نغمة جديدة فيكيل النقد والشتم والهجاء لذلك الرجل المجهول، فيقول:

ما كان ظني أن تعيــ
ـش أيا لئيم المكسر!
ولقد قذفت إلى الجحيـ
ـم وبئس عقبى المنكر
تا الله لو أصبحت أفـ
لاطون تلك الأعصر
وغدا أبقرط ببــا
بك كالعديم المعسر
وبرعت جالينوس أو
لقمان بين الحضر
ما كنت إلا تافه الـ
آداب عند المعشر
غفرانك اللهم إنـ
ـني من ظلامته بري!
سويته كالكركدنـ
ن وجاءنا كالأجذري

ويستمر شاعر النيل حافظ إبراهيم في هذا القذع فلا يزيدنا إلا تساؤلاً وتعجبًا!