خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من أمتع الأمسيات

جلسة مع نفر من الشعراء، سواء مساء أم نهارًا، من ألطف وأغنى الساعات التي يقضيها الإنسان، مشاركًا أو مستمعًا. يطيب ذلك بصورة خاصة في أيام رمضان المبارك. أتحفني أحد الزملاء بكاسيت تضم تسجيلاً لإحدى هذه المناسبات، ضمت جلسة أو كما نسميها في العراق «قعدة» بين نفر من الشعراء في بغداد، كان بينهم عبد الغني الحبوبي وعبد الحسين الرفاعي وعلي الحيدري وجليل شعبان. وبوحي عمه الأديب الشاعر محمد سعيد الحبوبي، انطلق عبد الغني الحبوبي بشيء من الشعر:

تزهو عن أشهى ضروب الغزل
لم تكن عن غادة في معزل

ما إن قال ذلك حتى صفق الحاضرون وانطلقوا يعقبون، فصاح أحدهم: «سد الباب سدها زين!». كان هذا من باب الاحتياط لئلا يسمع النسوة في البيت هذا الكلام. فواصل الشاعر كلماته:

في مجاميع الظباء النافرات
يرقص الشوق على خد أسيل
وعلى الثغر رقيق البسمات
وعلى الشعر قصير وطويل
كل غيداء بلون ومذاق
ضرب الحسن لها أي نطاق
حسنها عند التلاقي لا يطاق
تحسن الصيد عيون ناعسات
كم أسير في هواها وقتيل
ظبية لحن وفي كل الجهات
وهوانا حيث ما ملن يميل
أنا إن أنسى فلن أنسى التي
سكنت مزهوة في مهجتي
حسبتني سادرًا في غفلتي

وسرعان ما دارت الدائرة على «أبو أصيل» جليل شعبان، فتلاقف الوزن والقافية وقال:

أنت عن لبنان كم حدثتنا
يا سليل الحب كم أتحفتنا
قلت عن بيروت تزهو موطنًا
للظباء السابحات الفاتنات
في شروق ممتع أو في أصيل
في ليال عاطلات حالمات
في نواد ريها يشفي الغليل
ارو عن حلة ما طاب الحديث
ليس فينا من ثقيل أو غثيث
سرت للهو بها السير الحثيث
صف لنا سرب الحسان الغانيات
أتعب الرقص الخطى بعض العقول
ارو عنها أنت من أدهى الرواة
لا تخف تغفر ذا «أم أصيل»!

أما وقد أوصدوا باب الحريم جيدًا، فقد عاد الشاعر ليبرر سرده وتذكره لأصحابه ذكريات أيام الصبا:

لست أستملح وصف النزوات
إنما شجعني فيها «جليل»!