جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

لندن بين المطرقة والإمارات

حادثان مروعان، الموقع: لندن، الضحايا: إماراتيون، الأداة: مطرقة، الهدف: السرقة.
هذه هي باختصار حيثيات الحادثين البشعين اللذين حصلا في لندن منذ فترة قصيرة، الحادثة الأولى حصلت في فندق كامبرلاند، حيث تعرضت ثلاث سائحات إماراتيات للضرب بالمطرقة من قبل لصين استطاعا الدخول إلى غرفتهن بغرض السرقة، وجرى القبض عليهما، وهما الآن في عهدة القضاء.
أما الحادثة الثانية، فهي أيضا بدافع السرقة، حصلت في شقة يسكنها إماراتي وزوجته في منطقة كنزينغتون، واستخدمت المطرقة فيها أيضا، واستطاع السارقون الاستيلاء على النقود والمتعلقات.
الحادثتان مؤسفتان فعلا، لأن الضحايا هن مجرد سياح بريئات جئن إلى مدينتهن المفضلة لتمضية عطلة مريحة، وانتهى بهن الأمر في المستشفى وفقدان إحدى الضحايا عينها و95 في المائة من عمل دماغها، ولكن الأمر المؤسف أيضا هي عقليتنا العربية التي لا يمكنها التخلي عن نظرية المؤامرة، فهل يعقل بأن تشن حرب على شبكات التواصل الاجتماعي تصف الحادثتين بأنهما بدافع العنصرية، وموجهتان ضد السياح من دولة الإمارات؟
جرائم مماثلة كثيرة تحصل بشكل مستمر في جميع أنحاء العالم، والسياح معرضون أكثر من غيرهم للسرقة، لأن اللصوص يترصدون لهم لأنهم على يقين بأنهم يحملون النقود للتبضع، ولكن المضحك المبكي هو قراءة بعض التعليقات على شبكات التواصل وأشهرها «صيف دبي أفضل من مطارق لندن»، ومناشدة العرب بعدم السفر إلى لندن، الأمر مضحك جدا، فهل يعقل بأن تتحول حادثتا سرقة إلى أزمة دبلوماسية بين بلدين متفاهمين جدا على مستوى العلاقات التجارية؟
متى سيتخلى العرب عن عقلية المؤامرة؟ عندما وقع الطالب الماليزي ضحية السرقة أمام أعين ملايين العالم، لأن أحدهم صور تفاصيل السرقة أثناء أعمال الشغب التي تعرضت لها لندن عام 2012 لم أسمع عبارة «المؤامرة» و«العنصرية» ولو أن الكلمة الأخيرة موجودة في بريطانيا تماما مثلما هي موجودة في بلداننا العربية، وأكثر ما اضحكني هو نشر صورة مطرقة وفوقها برج خليفة وعنوان مفاده «حر دبي أرحم من مطرقة لندن». ولفتني أيضا مقال لإحدى الصحافيات العربيات تناشد فيه السياح الإمارتيين بتوخي الحذر أثناء زيارتهم لندن، وعدم التكلم باللغة العربية وعدم ارتداء الملابس الثمينة.. الأمر مضحك فعلا، فهل التكلم باللغة العربية هو الطريقة الأمثل لعدم التعرض للأذى؟ ومن قال إن البريطانيين يتعقبون العرب؟ وهناك كاتبة أخرى تنصح رعاياها العرب بعدم الذهاب إلى لندن، ولكن لم أعرف من الذي عينها سفيرة لبلدها؟
أحزن عندما أقرأ مثل هذه الخزعبلات، إنها فعلا تدل على تفكير بسيط ومحدود، فنحن العرب أفضل من يلقي اللوم على الغير لدرجة أننا نلوم القطار عندما لا نلحقه فنقول: «فاتني القطار» وكأنها غلطته، في حين أن الغربيين يقولون I missed the train أو «فوت القطار علي».
لندن مدينة سياحية بامتياز ، وليس من مصلحة أهلها التعرض للسياح وللعرب بالتحديد، ولا يجوز بأن تؤثر حادثتان منفصلتان، شاء القدر بأن يكون ضحاياهما من الإمارات أن تصبغ لندن بلون الحقد والعنصرية.