طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الماضي كان مشوبًا بالقبح

كالعادة كانت الفرصة مهيأة للترحم على الماضي الذي ينعتوه دائمًا بالجميل، وذلك كلما شاهدنا موقفًا يحمل تجاوزًا يُقدم عليه فنان أو مثقف أو حتى إنسان عابر، على الفور نردد كم كان المجتمع في الماضي جميلاً ومتسامحًا، عندما نستمع إلى أغنية سوقية أو نشاهد فيلمًا مسفًا نتحسر مرددين: «الماضي هو زمن الفن الجميل»، وربما نزيد عليها أيضًا مصمصة الشفاه، حتى تصل رسالة الاحتجاج للجميع صوتًا وصورة، إنها «النوستالجيا» التي تعيشها كل المجتمعات مع اختلاف الدرجة.
كانت المطربة شيرين في الأسبوع الماضي، هي صاحبة القسط الوافر من الانتقادات عبر «الميديا»، وفي الفضائيات، لأنها تطاولت على عمرو دياب، قائلة إنها «راحت عليه»، كما أنها انتقلت إلى إليسا ووصفت وجهها بالجمال الصناعي، وبعيدًا عن اعتذارها الذي حدث بعد أقل من 48 ساعة، لدياب وتجاهلها لإليسا، إلا أن الأمر كان فرصة لكي يتحدث الجميع كيف أن فناني ومثقفي زمان لم يعرفوا أبدًا «العيبة»، ولم يكن بينهم سوى الود والتقدير والاحترام، رغم أن التاريخ يؤكد عكس ذلك، كلنا نعرف كم كانت العلاقة متوترة بين قطبي الأدب العربي في النصف الأول من القرن العشرين طه حسين وعباس العقاد، كان عميد الأدب العربي قد قال إنه لم يفهم كتاب العقاد «عبقرية عمر» وإنه يمنح جائزة لمن يفك هذا اللغز، بينما العقاد وكأنه يتحين الفرصة فأطلق مدفعيته المضادة واصفًا طه حسين بأنه «عمي الأدب العربي».
هل ننسى يوم أن سخر عبد الحليم من أم كلثوم عام 1964 في 23 يوليو (تموز) في حفل حضره عبد الناصر بمناسبة الثورة، لأنها سبقته في الوقوف على خشبة المسرح، وأطالت في الغناء، فاعتبرها مقصودة لإحراجه قائلا إنه «مقلب» أوقعته فيه «الست»، إلا أن انتقام أم كلثوم كان أهدأ وفي نفس الوقت أشرس، حيث إنها منعته بعدها من مشاركتها في أي حفل غنائي.
التراشق بين الكبار واستخدام الأسلحة غير المشروعة، ليس فقط سمة الزمن الحالي، منيرة المهدية التي كانوا يطلقون عليها «سلطانة الطرب»، عندما بدأ نجم أم كلثوم يصعد كانت تشحن الصحافة ضدها، بل وتحثهم مقابل دفع الأموال أن يتعرضوا لسمعة أم كلثوم الشخصية، وكادت ثومة فعلاً، عندما اشتد عليها الهجوم، أن تشد الرحال وتعتزل عائدة إلى بلدتها «طماي الزهايرة»، بيرم التونسي عندما كتب الزجل الشهير «يا أهل المغني/ دماغنا وجعنا/ دقيقة سكوت لله» كان يقصد النيل من منافسه الشاعر أحمد رامي وصديقه اللدود الموسيقار محمد عبد الوهاب ويطالبهما بدقيقة سكوت!!
عمرو دياب، نُشر له قبل نحو ربع قرن تسجيل صوتي يهاجم فيه عبد الحليم، ولم ينقذ الموقف سوى أنه ذهب إلى منزل عبد الحليم، والتقطت له صور مع أهله، إلا أن دياب لم يكرر الخطأ، بل عندما هاجمه أحد المنافسين قائلاً أحب صورته أكثر من صوته، قال لهم أنا أحب صوته وصورته.
بالطبع سرد هذه الوقائع وغيرها، لا يعني أبدًا التعايش السلمي مع القبح والتجاوز اللفظي والحركي، على اعتبار أنه جزء من طبيعة الحياة، بالطبع علينا أن نستهجنه، إلا أنه لا يمكن أن يكون فرصة للنيل من الحاضر لحساب الماضي، الجمال جزء حميم من الحياة، لأن التطور يأتي من تمسكنا بقيم الجمال، بينما القبح كان ولا يزال يحاول أن يجذبنا إلى الخلف لأنه يغتال مساحات الجمال، في الماضي والحاضر!