حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

هل أفلت شمس الإسلام السياسي؟

منذ أن تلقت حركة الإخوان المسلمين ضربات موجعة في مصر، البلد الذي شهد ولادتها وتأسيسها، وانقلاب حال كوادر حركتها بين سجين وطريد، والسؤال يبرز للمحللين والمختصين؛ يطرحون السؤال الصعب، هل «الإسلام السياسي» ينحدر نحو الهاوية؟ وكان من آخر المتسائلين الزميل الدكتور خالد الدخيل في مقاله الأخير في صحيفة «الحياة»: «هل تراجع الإسلام السياسي؟».
وفي تقديري أن ربط الإسلام السياسي فقط بالحركات الإسلامية السياسية كحركة الإخوان المسلمين وما تأثر بها أو تفرع منها أو انشق عنها، و«الجماعة الإسلامية» في باكستان التي أسسها الشيخ أبو الأعلى المودودي، و«الحركات الجهادية» المتنوعة كحركة «التكفير والهجرة» وتنظيم داعش و«النصرة» و«القاعدة» وكل الحركات المتفرعة منها أو المنشقة عنها، يعتبر ربطًا تنقصه الدقة، وعليه فالربط الخاطئ قد يوصل إلى نتائج خاطئة.
ثمة شبه إجماع على أن المقصود بالإسلام السياسي، كما عرفه المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق، هو: «الحركات السياسية بكل تنويعاتها التي جعلت من الإسلام مرجعيتها الفكرية»، وهذا التعريف ليس حكرًا على الحركات الإسلامية السياسية، فالتاريخ الإسلامي كله «إسلام سياسي» منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة مرورًا بالخلافة الأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية والأندلسية والأدارسة والخلافة العثمانية والدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة وحركات التحرر من الاستعمار كالحركة السنوسية في ليبيا والمهدية في المغرب والقسامية في فلسطين بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين، كل هذه، من دول خلافة إلى دول إمامة إلى حركات تحرر، ينطبق عليها مصطلح «الإسلام السياسي».
ولهذا لم يفرق عدد من المفكرين الغربيين بين الإسلام والإسلام السياسي، وهذا هو الصحيح. يقول المختص في الديانة الإسلامية روبرت سبينسر إنه «لا يوجد فرق بين الإسلام والإسلام السياسي وإنه من غير المنطقي الفصل بينهما»، فالإسلام بنظره «يحمل في مبادئه أهدافًا سياسية». ويضيف: «إن الإسلام ليس مجرد دين للمسلمين وإنما هو طريقة وأسلوب للحياة، وفيه تعليمات تشمل حتى أبسط الأفعال كالأكل والشرب إلى الأمور الروحية الأكثر تعقيدًا» إلى شؤون الحرب والسلام وإدارة شؤون الدولة، واللافت أن مصطلح «الإسلام السياسي» مصطلح ليس محبذًا عند الدول وكذلك الحركات الإسلامية السياسية التي تجعل من الإسلام مرجعية في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتربوية... إلخ.
وعليه فإن موجة «الإسلام السياسي»، بمفهومه الشامل العام لا المحصور في الحركات الإسلامية السياسية فقط، تعيش منذ عصر النبوة إلى الآن في مد وجزر دائبين دائمين ما ارتبط الإسلام بالسياسة، وهو ما تضافرت عليه النصوص الشرعية الكثيرة ومارسه المسلمون منذ عهد النبوة إلى عصرنا الحاضر وإلى الأبد، وهذا ما يجعلها مختلفة متباينة عن تجارب الشيوعية والوطنية والاشتراكية التي سادت ثم بادت.
بالتأكيد أن موجة الحركات الإسلامية في بعض البلدان العربية والإسلامية انحسرت وانحسرت معها موجة التدين، فقد تناقصت نسبة المنتسبين تنظيميًا أو فكريًا إلى «الإسلام السياسي» في أغلب الدول الإسلامية والعربية، وحتى التدين التقليدي شهد انحسارًا لا تخطئه العين مقارنة بفورته في السبعينات والثمانينات، هذا الانحسار له أسباب عدة ليس هذا مجال بسطها.
الخلاصة أن الحركات الإسلامية السياسية فعلاً تشهد انحسارًا واضحًا، وربما تبيد فكرة الحركة والتنظيم، وأما فكرة «الإسلام السياسي» المرتبطة جذريًا بالإسلام ففي مد وجزر ولكنها لا تبيد أبدًا.