كاترينا فاندن هوفيل
TT

لماذا تمثل كلينتون الخيار الصحيح بالنسبة للتقدميين؟

خلال المناظرة الرئاسية الثانية، قلل دونالد ترامب مرة أخرى من شأن التعليقات البذيئة، التي تفاخر فيها بالاعتداء الجنسي، قائلا إنها لا تتعدى كونها «حديثًا معتادًا بين الرجال عن الأمور الجنسية». مع ذلك مع استمرار توالي ردود الفعل السلبية تجاه التسجيل، أصبح الحزب الجمهوري منقسمًا، حيث تخلى الكثير من أعضاء الفريق الأحمر عن موقعهم خلف خط الهجوم، وهرولوا من أجل إنقاذ أنفسهم.
بالنسبة إلى بعض الناخبين التقدميين، الذين دعموا عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز خلال الانتخابات التمهيدية، لم تساعد التطورات الأخيرة كثيرًا في تهدئة مخاوفهم بشأن هيلاري كلينتون. إنهم يدركون جيدًا أن دونالد ترامب، بكل الصور الممكنة، غير مؤهل بشدة لشغل منصب الرئاسة. إنهم يعلمون أن ترامب عدو لدود للتقدم، ويتأكد ذلك بعد كل واقعة؛ مع ذلك هم لا يثقون في أن هيلاري كلينتون ستدعم القضايا المهمة التي دفع بها ساندرز إلى ساحة النقاش والجدال.
هذا التشكك أمر مفهوم، خاصة بعد معركة أولية صعبة خلفت وراءها كثيرين يشعرون بالاغتراب عن كلينتون، وعن المؤسسة الديمقراطية. مع ذلك أوضحت مجلة «ذا نيشن» (الأمة)، التي دعمت ساندرز في الانتخابات التمهيدية، خلال دعمنا لكلينتون الأسبوع الماضي، أن هناك عدة أسباب ملحة تدفع التقدميين المخلصين نحو دعمها ليس فقط باعتبارها الخيار الوحيد، أو الخيار الاستراتيجي، بل أيضًا لأنها تستحق ذلك.
لقد كانت هيلاري كلينتون طوال حياتها مقاتلة مثابرة تدافع عن المرأة والأطفال الذين يهمشهم المجتمع. في بداية مسارها المهني في مجال المحاماة، دعمت كلينتون الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وكافحت الفصل العنصري في المدارس في ولايات الجنوب. وعندما كانت السيدة الأولى، ساعدت في توفير رعاية صحية للأطفال الفقراء، ووضعت قضية إصلاح الرعاية الصحية على جدول السياسات. كذلك أعلنت بشجاعة أن «حقوق المرأة جزء من حقوق الإنسان في بكين»، في وقت كان التصريح بهذا لا يزال أمرًا مثيرًا للجدل. وقد رأيناها مؤخرًا تقف إلى جانب أطفال المهاجرين غير المسجلين، الذين يخشون رؤية آبائهم يرحلون، وإلى جانب الأمهات الأميركيات ذوات الأصول الأفريقية، الذين تم قتل أبنائهن بطريق الخطأ، على أيدي الشرطة.
وفي أوقات الجدّ، تصبح كلينتون طالبة مجتهدة للحكومة والسياسة. وكان أحيانًا يتم الاستهزاء بالخطط الكثيرة التي تقدمها، لكن من الجيد رؤية مرشحة تتمتع بشغف حقيقي تجاه تفاصيل مقترحاتها. إلى جانب ذلك، لقد استجابت للمزاج الشعبي في البلاد من خلال تبني الكثير من السياسات التي دعمها، وروّج لها، ساندرز، ومنها التعليم العالي الحكومي بلا ديون، وجعل الحد الأدنى للأجور 15 دولارا. وفي الوقت الذي مارس فيه ساندرز ومؤيدوه الضغط اللازم، أنصتت كلينتون لأفكارهم وعملت بنشاط من أجل تمرير أكثر البرامج الحزبية تقدمية في تاريخ الحزب الديمقراطي.
كلينتون ليست مثالية، فأنا ما زلت أشعر بالقلق، بوجه خاص بشأن ميولها المتشددة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية؛ فرغم اعترافها بأن تصويتها لصالح الحرب في العراق كان خطأ، اتخذت مواقف غير موفقة تدعم التدخل في ليبيا وسوريا. وأثناء حملتها الانتخابية، كان خطابها بشأن روسيا عدوانيًا وقاسيًا، رغم احتياج الولايات المتحدة لروسيا كشريك في مواجهة أخطار وتهديدات عالمية مثل تنظيم داعش، والتغير المناخي.
على الجانب الآخر، تذكرنا نصوص خطابات كلينتون خلف الأبواب المغلقة، التي تم تسريبها، بشأن «وول ستريت»، بأن علاقاتها طويلة الأمد بعالم المال تظل مثار قلق سيحتاج إلى حرص بينما نتقدم للأمام. وفي الوقت ذاته، من المهم بالنسبة إلى التقدميين الاعتراف بالنقطة التي وصلنا إليها؛ فمنذ حملتها الأخيرة منذ ثمانية أعوام، تقدمت كلينتون كثيرًا باتجاه اليسار فيما يتعلق بالكثير من القضايا استجابة للحركات الداعمة للتغيير.
خلال المناظرة الأولى، عندما كانت فرص النجاح في أعلى مستوياتها، تحدثت عن التزامها بجعل مصروفات الكليات معقولة، وبتوفير الرعاية الصحية للجميع، وبمكافحة العنصرية المنهجية. ويعد كل ذلك مدعاة للاحتفاء؛ فحين تصبح رئيسة للبلاد سوف تناضل من أجل إقرار إجازات أسرية مدفوعة الأجر، ورعاية للطفل ذات تكلفة معقولة، ودعم حق المرأة في الاختيار. قد تكون هناك اختلافات، لكننا نعتقد أنها ستتقدم بنا إلى الأمام.
أما بالنسبة إلى التقدميين، الذين لا يزالون متحفظين على كلينتون، ليس الحل هو التصويت لمرشح يمثل تيارًا ثالثًا. ورغم أن جونسون محق في بعض الأمور، تعد خطته الاقتصادية نسخة أكثر تطرفًا من خطة الجمهوريين الاقتصادية، وكذلك يبدو جاهلاً تمامًا بشؤون العالم. وساعدت مرشحة حزب الخضر جيل ستاين في دفع بعض القضايا التقدمية، لكن حتى نقوم بعمل الإصلاحات الانتخابية اللازمة للخروج من نظام الحزبين، لا يستطيع حزب الخضر ولا أي حزب ثالث آخر تطبيق أفكاره بشكل فعّال. سيكون التصويت لصالح غاري جونسون، مرشح الحزب الليبرتاري، أو جيل ستاين، مرشحة حزب الخضر، طريقة بائسة لتوجيه رسالة في ظل وجود احتمال، ولو ضعيف، بأن يصبح ترامب رئيسًا.
تعد كلينتون هي أفضل مرشح في السباق الرئاسي.. وهي كذلك تقدم للتقدميين أفضل فرصة يمكن أن يحظوا بها من أجل دفع قضاياهم، ورؤاهم بشأن البلاد نحو الأمام، لكن فقط إن نحن ظللنا نمارس ضغطًا متواصلاً، ونسائلها باستمرار. وكما جاء في مجلة «ذا نيشن» الأسبوع الماضي: «على مدى الأعوام الثمانية الماضية، تعلّم التقدميون بالطريقة الصعبة أن التصويت بدافع الأمل والرغبة في التغيير، لا يحقق هذا الأمل أو التغيير. لذا في الوقت الذي قد يكون التصويت فيه لصالح كلينتون ضروريًا، يظل بالكاد كافيًا». لهذا السبب، في اليوم التالي لانتخابها رئيسة، يجب أن نضاعف جهودنا من أجل تطبيق برنامج ساعد التقدميون في وضعه.
ولنصدق ساندرز حين قال هو نفسه مؤخرًا عن كلينتون: «لقد كانت آراؤها تقدمية في الكثير من القضايا؛ إنها رائعة في الكثير من المجالات. وعندما لا تكون تقدمية، يمكننا دفعها نحو ذلك الاتجاه، والضغط عليها».
* خدمة «واشنطن بوست»