نعلم جميعًا أن الزيادة في كمية الشحوم في الجسم شيء ضارٌ بصحة الإنسان، ولكن تبقى هذه الجملة ناقصة، بل غير مفيدة عند محاولة ترجمتها بوصفها معلومات طبية تطبيقية يستفيد منها الناس، لأنه ليست كل أنواع شحوم الجسم متساوية في احتمالات التسبب بالأضرار الصحية.
وضمن عدد 26 سبتمبر (أيلول) الماضي من مجلة الكلية الأميركية لطب القلب Journal of the American College of Cardiology، عرض الباحثون من المعهد القومي للقلب والرئة والدم National Heart Lung and Blood Institute نتائج دراستهم لتأثيرات تزايد كثافة كميات الشحوم حول المعدة Stomach Fat في ارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب.
في جسم الإنسان هناك عدة أنواع من الشحوم، منها الشحوم البنية Brown Fat، والشحوم البيضاء White Fat، والشحوم الصفراء Yellow Fat. ولذا، هناك شحوم بيضاء تتراكم تحت طبقة الجلد Subcutaneous Fat، وشحوم أخرى صفراء تتراكم حول الأعضاء التي في البطن Visceral Fat، مما يعني أن الشحوم المتراكمة في الأفخاذ والأرداف تختلف عن نوعية الشحوم المتراكمة في تجويف البطن Belly Fat، ولكل نوع من هذه الشحوم وظائف وتأثيرات صحية، منها تأثيرات صحية ضارة، ومنها تأثيرات صحية مفيدة، بخلاف ما قد يعتقد البعض.
ولدى الشخص السمين، تتراكم في الجسم كميات كبيرة من الشحوم بأنواع مختلفة. ولذا، فإن ملاحظة كبر حجم البطن هو نتيجة لوجود كميات كبيرة من الشحوم البيضاء تحت جلد غطاء البطن، ونتيجة أيضًا لزيادة كميات الشحوم الصفراء التي تتراكم حول الأعضاء المختلفة داخل تجويف البطن، أي الكبد والكُلى والطحال والأمعاء والمعدة وغيرها. وأيضًا، فإن الشحوم البيضاء التي تتراكم تحت الجلد المغطي لمنطقة البطن تختلف في تأثيراتها الصحية عن الشحوم البيضاء الأخرى التي تتراكم تحت الجلد المغطي لمنطقة الأفخاذ والأرداف، خصوصا لدى النساء. وكثيرة هي الدراسات الطبية التي أوضحت أن وجود الشحوم تحت الجلد في منطقة البطن هو شيء ضار، بخلاف السمنة بتراكم الشحوم تحت الجلد في منطقة الأفخاذ والإليتين لدى النساء.
وتوجد الشحوم البنية بكمية أعلى لدى الأطفال، مقارنة بالبالغين. ولدى البالغين، تتراكم الشحوم البنية فيما بين الكتفين أعلى الظهر. والشحوم البنية مفيدة جدًا للجسم لأن وجودها يُحفّز من وتيرة حرق الجسم للشحوم المتراكمة في مناطق أخرى من الجسم، واستخدامها في إنتاج الطاقة. ولكن تظل كمية الدهون البنية قليلة في الجسم. وعلى سبيل المثال، فإن الشخص الذي وزنه نحو 80 كيلوغراما قد يحتوي جسمه على كمية 15 كيلوغراما من الشحوم، منها نحو ربع كيلوغرام من الدهون البنية. ولكن حتى بكميتها الضئيلة نسبيًا هذه، فإنها قادرة على تحفيز الجسم لحرق نحو 500 كالورى من السعرات الحرارية المتكونة نتيجة حرق الدهون الصفراء والبيضاء، مما يعني قدرتها على تنشيط خفض وزن الجسم بمقدار نحو نصف كيلوغرام في الأسبوع عند ممارسة الرياضة، وإجبار الجسم على إنتاج الطاقة لتحريك العضلات.
والملاحظ أن للشحوم سمعة سيئة لدى غالبية العاملين في الأوساط الطبية، ولدى غالبية الناس، ولكن الحقيقة ليست كذلك لدى الباحثين الطبيين، إذ تمثل الشحوم عضوًا كبيرًا في الجسم يحتاج إلى المزيد من الدراسات الطبية لفهمه وفهم طريقة عمله ودوره في الجسم. ولذا، قال الدكتور أرون كايبس، طبيب الباطنية في كلية الطب بجامعة هارفارد، إن الشحوم هي اليوم أكثر الأعضاء سحرًا وجاذبية للبحث العلمي الطبي في الجسم، ونحن لا نزال في بدايات فهمنا لها. وقالت الدكتورة راكيل وايتمر، الباحثة في مركز كيسر بيرمانينت للأبحاث بأوكلاند، في كاليفورنيا، إن الشحوم لها وظائف في الجسم أكبر مما كنا نظن.
والواقع أن أنواع الشحوم المختلفة في الجسم لا تُصنع، ولا تعمل، بطريقة واحدة. وعلى سبيل المثال، شحوم البطن الصفراء التي تتراكم وتتغلغل بين أعضاء البطن، تُعتبر من شحوم الجسم «الأعلى نشاطًا» في مشاركتها بعمليات الأيض الكيميائية ضمن التمثيل الغذائي، مقارنة بأنواع الشحوم البيضاء التي تتراكم لدى النساء في مناطق الأفخاذ والأرداف. وهذا النشاط الكيميائي العالي لشحوم البطن الصفراء يعني زيادة تكوين مواد ضارة بالجسم تعمل على زيادة احتمالات حصول تراكم الكولسترول في الشرايين، وحصول الالتهابات في الجسم، وارتفاع مقاومة الجسم لمفعول هرمون الإنسولين؛ أي بعبارة أخرى: رفع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب، ورفع احتمالات الإصابة بالنوع الثاني من السكري، بينما تعتبر شحوم الأرداف والإليتين شحومًا خاملة يتم حبسها في الخلايا الدهنية بتلك المناطق، ولا تُتاح لها المشاركة في العمليات الكيميائية الحيوية، ولا تكون بالتالي مصدرًا لتكوين المواد المتسببة بالإصابات بأمراض الشرايين القلبية أو السكري.
ووفق ما ذكره الباحثون من المعهد القومي للقلب والرئة والدم في دراستهم الحديثة، فإن كثيرًا من الدراسات السابقة قد لاحظت أن زيادة تراكم الشحوم حول الأعضاء في البطن، وزيادة محيط البطن، يرفع من خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية والشرايين الدماغية، وأن دراستهم الحديثة هذه لاحظت أن كثافة تراكم تلك النوعيات من الشحوم Fat Density حول المعدة بالذات له علاقة وثيقة وقوية بشكل خاص بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب والدماغ.
واستخدم الباحثون صور الأشعة المقطعية CT Scan للبطن لتقييم مدى تراكم الشحوم حول كل الأعضاء في البطن، خصوصا تلك المتراكمة حول المعدة بالذات. وقد لاحظوا أن العلاقة بين كثافة تراكم الشحوم حول المعدة وارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية والدماغية، هي علاقة مستقلة لا علاقة لها بمقدار وزن الجسم، ولا بمؤشر كتلة الجسم (Body Mass Index (BMI، ولا بمقدار محيط الخصر Waist Circumference.
وقد علقت الدكتورة كارولين فوكس، الباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول: «لم تتم ملاحظة هذا من قبل، وتقييم مدى كثافة تراكم الشحوم هو وسيلة جديدة تحتاج إلى مزيد من العمل لفهمها». وكان فريق الباحثين قد قام بتقييم كل من حجم الدهون المتراكمة حول أعضاء البطن، وكثافة تراكم تلك الدهون حولها، ومتابعة تأثيرات ذلك لدى أكثر من 1100 شخص لمدة تجاوزت ست سنوات.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]
8:7 دقيقه
TT
شحوم البطن أسوأ شحوم الجسم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة