شذى الجبوري
صحافية عراقية عملت سنوات في بغداد ولندن والآن تغطي الشأن السوري
TT

من يخاصم المرشد؟!

أي خلاف قد ينشب الآن بين الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أمر منطقي. فروحاني وصل إلى كرسي الرئاسة بدعم من الإصلاحيين وفعل خلال برهة وجيزة ما لم تفعله إيران منذ ثورة الإمام الخميني عام 1979، عندما تحدث مع الرئيس الأميركي باراك أوباما هاتفيا وطمأن العالم حول برنامج بلاده النووي وأطلق خطابا تصالحيا مع الغرب. أما الخلاف بين المرشد والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد فهذا ما لم يكن مفهوما إطلاقا.
خلال ولاية نجاد الأولى 2005-2009 لم تشهد العلاقات بينه وبين خامنئي أي توتر، بل بالعكس عدت الدوائر الإيرانية أن ولاية نجاد أعادت الجمهورية الإيرانية إلى نهجها السليم بعد ثماني سنوات من رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي.
المرشد ونجاد من طينة واحدة، محافظان ويؤمنان بالشعارات والمبادئ التي أطلقها الخميني، ومتفقان على جملة من القضايا. نجاد، حسب ما يشاع، كان أحد عناصر الباسيج الذين شاركوا في الهجوم على السفارة الأميركية في طهران وحصارها واندلاع أزمة الرهائن لدى قيام الثورة. ودأب خلال سنوات ولايته على تحدي الغرب والمضي في الملف النووي، وله سجل حافل في انتهاكات حقوق الإنسان والقمع وقضايا لم نسمع أن خامنئي اعترض عليها يوما.
المرشد دعم نجاد خلال ولايته الأولى ودعم ترشيحه لولاية ثانية 2009-2013. وفاز نجاد في الانتخابات بعد «تزوير» نتائجها. وبالتأكيد، فإن أي تلاعب في أصوات الناخبين لن يجري من دون أمر من المرشد الأعلى ومباركته، ولا يمكن لنجاد أو حكومته التصرف في هذا الشأن الخطير من دون علم خامنئي. ثم واجه الرجلان معا احتجاجات الحركة الخضراء وعملا وخططا معا لقمع المتظاهرين.
لماذا بعد كل هذا اختلفا وخرج نجاد عن طوع خامنئي، فاكتفى في مراسم تنصيبه لولايته الثانية بتقبيل كتفه لا يده كما فعل في ولايته الأولى؟ أليس المفروض أن يكون الأمر معكوسا، أي أن يقبل كتفه في المرة الأولى ويده في المرة الثانية دليلا على العرفان بالجميل؟ أليس من المنطقي أن يكون ممتنا له، وأن يكون حليفا لا شوكة في خاصرته؟ لكن لا. نجاد خلق عداء شديدا مع المرشد وأنصاره في البرلمان وخارجه. وتمرد مرة ورفض الذهاب إلى مقر الحكومة عشرة أيام بعد أن أرغمه المرشد على إبقاء وزير الاستخبارات حيدر مصلحي في منصبه بعد أن كان نجاد أقاله. وبين الحين والآخر كانت خطابات الطرفين تشي بمواقف عدائية وبغض تجاه الطرف الآخر.
أرجع البعض الخلافات إلى تجاوزات خامنئي المستمرة على صلاحيات نجاد. ولكن متى لم يتدخل المرشد في كل صغيرة وكبيرة في إدارة الدولة، وهو المرشد الأعلى لإيران؟ وهناك من علل الأمر بأن أسفنديار رحيم مشائي، صهر نجاد ومدير مكتبه وصاحب الآراء المثيرة للجدل، أملى على الرئيس قراراته وتحركاته بحكم صلة القرابة وبحكم أنه بمثابة الأب الروحي له. ولكن هل لأي مسؤول إيراني، حتى وإن كان رئيس جمهورية، أن يفرط بعلاقته مع خامنئي صاحب السلطة العليا في البلاد، من أجل صهره؟
قيل الكثير لكن لا شيء بدا واقعيا مثل التقرير الذي نشره موقع إلكتروني إيراني «بازتاب إمروز» خلال حملة الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة في يونيو (حزيران) 2013 مع اقتراب انتهاء ولاية نجاد الثانية. لم يلق التقرير اهتماما، ربما لأنه سحب لاحقا في نفس اليوم، إلا أنه أفشى الكثير. يفيد التقرير، الذي نشر في أبريل (نيسان) الماضي، بأن أحمدي نجاد هدد ببث محتوى شريط يظهر نيله 16 مليون صوت فقط (من أصل 32 مليون صوت) خلال انتخابات الرئاسة عام 2009، وليس 24 مليونا كما أعلن رسميا، وأن نجاد تلقى صبيحة اليوم التالي للانتخابات نبأ فوزه بفارق ضئيل على منافسه الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي، الذي حصل على 13 مليون صوت. ويكشف التقرير أيضا أن ثمانية ملايين صوت أضيفت إلى «حساب» نجاد، لتجنب التشكيك في نتيجة الاقتراع، وتأمين ألا تطلب المعارضة إعادة فرز الأصوات.
والمثير في الشريط أن نجاد يصر على ضرورة إعلان النتيجة الحقيقية، نظرا إلى فوزه، وأنه اتصل بمسؤولين آخرين، وحضهم على الامتناع عن التلاعب بنتيجة الانتخابات. وشكلت الأصوات الـ24 مليونا التي أعلن أن نجاد نالها في انتخابات 2009، نسبة 63 في المائة، علما أن فوز مرشح من الدورة الأولى، وتجنبه خوض دورة ثانية، يتطلب نيله الغالبية المطلقة من الأصوات، أي 50 في المائة زائد واحد.
أحمدي نجاد فاز في الانتخابات ولو بفارق ضئيل عن خصمه موسوي واقتنع بنتيجتها وعدها عادلة بالنسبة له على الرغم من أنها ربما كانت تتطلب جولة إعادة. كان عليه أن يتجرع بصمت مرارة اتهامه من خصومه بالتزوير، وهذا ما يفسر تمرده وغضبه من خامنئي الذي تلاعب بالنتائج وقدمه للشعب الإيراني وللعالم بأسره على أنه رئيس غير شرعي وصل إلى منصبه بقوة التزوير لا بقوة أصوات الناخبين.
التقرير، الذي لم يتأكد من صحته، في تقديري، بدا الحقيقة الوحيدة التي توضح لغز هذه العلاقة المتأزمة.. أما كل ما سواه فمجرد تداعيات.