شرّ البلية ربما ليس ما يضحك، بل ما يثير مزيجا من الدهشة لحصوله والاستهجان لتبعاته والاستغراب لمُسبباته. ومن أمثلة البلية التي لا تضحك، حينما يذهب أحدهم إلى المستشفى، ويخضع لإجراء عملية جراحية، ثم يكتشف بعد فترة أن ثمة بعضا من الأدوات المستخدمة في إجراء العملية الجراحية قد تم نسيانها داخل جسمه.
هل هذا السيناريو نادر الحصول، وهل يقع فقط في مستشفيات نائية أو في مناطق متأخرة في درجة نموها الحضاري؟، ليس بالضرورة، بل يقع فعلا في مناطق متميزة في مستوى خدماتها العلاجية ومتقدمة في تجهيزات غرف العمليات بمستشفياتها ومن طاقم جراحي حصل أفراده على مستويات تعليمية وتدريبية عالية.
مشكلة ترك الأدوات الجراحية في أجسام المرضى retained surgical items واقع يُعاني منه المرضى في مناطق العالم المختلفة. وفي عام 2004 بالولايات المتحدة تم إنشاء برنامج «لا يُترك شيء» nothing left behind للعمل على خفض وقوع حالات ترك الأدوات المستخدمة بالعمليات الجراحية في أجسام المرضى، وتم إصدار الأنظمة واللوائح التي بتطبيقها يتم التغلب على هذه المشكلة، ولكن البرنامج لا يزال يذكر في موقعه الإلكتروني أن ما بين 1500 و2000 حالة من هذا النوع تقع سنويا في المستشفيات الأميركية، ويُعقّب بالقول: «حان الوقت حيث لا يُوجد مبرر مطلقا لحصول حالات ترك قطع من شاش الإسفنج الجراحي» في أجسام المرضى، وتذكّر دوما أن هذا النوع من الأخطاء الطبية يُصنف ضمن «ما لا يجب أن يقع مطلقا» never events ضمن قائمة الأحداث الجسيمة الضرر sentinel events.
وقسم البرنامج الأدوات الجراحية المستخدمة في العمليات إلى أربعة أنواع: أولا، شاش الإسفنج الجراحي، ثانيا الإبر المعدنية، ثالثا الأجهزة الجراحية كالملاقط أو المقصات وغيرها، رابعا أدوات أخرى صغيره. وما زال البرنامج يعمل بجهد للقضاء على هذه المشكلة، ولكن المشكلة لا تزال موجودة وتقع.
وفي 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أصدرت «اللجنة المشتركة» The Joint Commission نشرتها الخاصة بضرورة عمل المستشفيات بشكل أفضل للقضاء على هذه المشكلة التي لا تزال دون حل جذري. وطالبت المستشفيات الأميركية بإيجاد «وسائل أفضل» للقضاء على هذه المشكلة. واللجنة المشتركة هي إحدى أهم هيئات اعتماد المستشفيات الأميركية في نواحي جودة تقديم الرعاية الطبية للمرضى وضمان سلامتهم. وتعرض برنامج الـ«توك شو» الأطباء the doctors لهذا الموضوع في حلقة هذا الأسبوع.
وخلال مؤتمرها الصحافي، صرحت الدكتورة آن ماكاي، مساعدة المدير التنفيذي للجنة المشتركة، بالقول: «إن ترك أجسام غريبة في أجسام المرضى بعد العمليات الجراحية مشكلة معروفة جدا، ولكنها مشكلة يمكن منع وقوعها». ووصفتها بأنها مشكلة تقع بشكل شائع all - too - common problem، ومن النوع الذي قد يكون قاتلا للمريض أو يتسبب بضرر بالغ له من النواحي الجسدية والنفسية، ويتطلب غالبا بقاء المريض بالمستشفى لفترات أطول. وأضافت: «من المهم بدرجة كبيرة للمستشفيات أن تضع وتطبق السياسات والإجراءات التي تضمن عد، والتعرف على جميع، ما يتم استخدامه خلال العملية الجراحية، وأن يكون ثمة تواصل واضح بين أفراد الفريق الجراحي». ولاحظت أن ثمة حالات ترتفع فيها احتمالات حصول هذه المشكلة، كالمرضى ذوي الأجسام الضخمة أو العمليات التي تتم بشكل مستعجل أو التي يتم فيها للمريض الواحد إجراء عدد من العمليات الجراحية في نفس الوقت أو التي يقوم بها أكثر من فريق جراحي أو التي يتغير فيها طاقم إجراء العملية الجراحية نظرا لطول الوقت الذي يستغرقه إتمامها وغيره.
وأفادت أنه ما بين عام 2006 و2012 تبلغت اللجنة من المستشفيات الأميركية المختلفة بوقوع 770 حالة من هذا النوع كـ«أحداث جسيمة الضرر»، إلا أنها قالت إن هذا الرقم لا يُمثل إلا «قمة جبل الثلج» ولأن العدد الفعلي يُقارب 2000 في كل عام. وإضافة إلى كل الأضرار على المريض، فإن مدفوعات المسؤولية الطبية medical liability payments لكل حالة منها تتجاوز مبلغ 200 ألف دولار.
القضية هي أن هذه المشكلة تقع بطريقة سهلة جدا، وحلها أسهل، ولكنها لا تزال تقع. بعد دخول المريض إلى غرفة العمليات يتم فتح مجموعات الأجهزة المستخدمة في العملية الجراحية، من شاش الإسفنج القطني والمشارط والملاقط والإبر وغيرها، ثم يتم استخدامها حسب احتياج إتمام العملية الجراحية. وما هو مطلوب «عدّ ما تم تهيئته للاستخدام طوال وقت العملية الجراحية» ومقارنة العدد مع نفس المجموعة التي توضع جانبا بعد الفراغ من العملية الجراحية للأشياء التي استخدمت فيها. وإن وجد نقص يتم البحث عنه في غرفة العمليات، سواء في الغرفة نفسها أو في جسم المريض. ويمكن الكشف عن جميع ما يتم استخدامه بصور الأشعة السينية العادية، إذ تحتوي حتى قطع الشاش على مؤشر يظهر في صور الأشعة تلك. ولا يخرج المريض من غرفة العمليات إلا بعد إتمام التأكد هذا.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض