د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الوجبات الإعلامية للأطفال

ضمن إصداراتها الصحية والطبية الحديثة، تحدثت «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال»، (AAP)، عن نوعية مكونات «الوجبة الإعلامية»، Media Diet، التي يتلقاها الطفل، وأفادت في بيانها أن العنف في وسائل الإعلام، Media Violence، أصبح جزءًا روتينيًا ضمن مكونات الحياة اليومية للطفل الأميركي، وأن على الآباء والمشرعين والعاملين في أوساط وسائل الإعلام ضرورة اتخاذ خطوات لتغيير ذلك. وأوصت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال في بيانها الذي تم نشره ضمن عدد 18 يوليو (تموز) الماضي من مجلة «طب الأطفال»، Pediatrics، بأن يهتم أطباء الأطفال بهذا الأمر بشكل روتيني عبر السؤال عن «الوجبة الإعلامية» التي يتلقاها الأطفال خلال المراجعات الطبية أسوة بالجوانب الصحية البدنية والنفسية الأخرى التي يتم السؤال عنها، لتكوين طبيب الأطفال صورة أوضح عن الحالة الصحية للطفل. كما أوصت الوالدين بالعمل على الحد من محتوى العنف الذي يراه أطفالهم سواء على شاشة التلفزيون أو على الإنترنت أو في ألعاب الفيديو، واستخدمت عبارة «Tighten The Reins» في طلبها من الوالدين ضرورة «شدّ اللجام».
وعلق الدكتور ديمتري كريستاكز، رئيس «مجموعة أطباء الأكاديمية لصياغة بيانها» ومدير «مركز صحة وسلوكيات وتطور الطفل» في «مؤسسة سياتل لبحوث الأطفال»،Seattle Children›s Research Institute، بالقول: «ألعاب الفيديو التي تستخدم تقنيات ثلاثية الأبعاد تصنع مشاهد تعرض تجربة غامرة بكثير من العنف، وهي التي يجدر الاهتمام بها على وجه الخصوص». ونصح بيان الأكاديمية الآباء والأمهات بأن يلعبوا مع أطفالهم ألعاب الفيديو تلك من أجل أن يعرفوا بالضبط مضمونها، كما أوصتهم بأن يحموا الأطفال ما دون سن 6 سنوات بشكل تام من ممارسة أو مشاهدة أي ألعاب أو برامج تحتوي عنفا، وتحديدًا ذكرت الأكاديمية أفلام الكارتون المحتوية على العنف وألعاب الفيديو التي تتضمن إطلاق النار.
وذكر بيان «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال» أن ثمة إثباتات علمية في نتائج كثير من الدراسات الطبية أكدت علاقة الارتباط بين العنف الافتراضي، Virtual Violence، ونمو العدوانية في الحياة اليومية الحقيقية، Real - Life Aggression، لدى الطفل. وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يكون نادرًا لدى الأطفال، فإن الدكتور كريستاكز لاحظ أن العدوانية يمكن أن تشمل تحول الطفل إلى أن يكون وقحًا، وأن الأفكار والمشاعر العدوانية قد تسبق العنف. وأضاف أن معظم الأطفال لن يتحولوا إلى عدوانيين بسبب ممارستهم ألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام، ولكنه أشار إلى آثار المستوى المجتمعي لانتشار مشاهد العنف في وسائل الإعلام. وقال: «دعونا نقل إن اثنين في المائة من الناس سيتصرفون بشكل أكثر عنفًا بعد التعرض لوسائل الإعلام العنيفة، وهو ما يعني أن من أصل 20 مليون شخص شاهد أحداث الأفلام العنيفة، سيكون هناك 400 ألف سلوك عدواني».
وأفادت الأكاديمية أن معظم نصائحها في بيانها الجديد ليست موجهة للآباء والأمهات بقدر ما هي موجهة للأوساط الإعلامية. ودعت العاملين في صناعة الترفية الإعلامي، Entertainment Industry، إلى وقف تعظيم سلوكيات العنف والاستخدام غير المبرر للعنف وألا يُستخدم العنف ضمن أي إطار كوميدي.
وتحدثت الأكاديمية في بيانها عن أمر آخر، وهو ضرورة كفّ الصحافيين وبقية الإعلاميين عن إثارة الخلاف حول مدى صحة العلاقة التي تربط بين العنف في برامج وسائل الإعلام والعنف في الحياة اليومية، أو القول بأن الموضوع لا يزال محل جدل أو أن آراء الأكاديميين لا تزال متضاربة حول صحة هذه العلاقة، وجعل ذلك موضوعًا للقصص الإخبارية عند مقابلة ممثلي الصناعات الترفيهية.
وكانت «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال» قد حدّثت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تقريرها الموجه للوالدين حول السلوكيات الطبيعية للطفل، وذلك ضمن إصداراتها بعنوان: «العناية بطفلك في عمر المدرسة»، وقالت إن الآباء قد يواجهون صعوبات في التفريق ما بين ما هو طبيعي وما هو مشكلة أو غير طبيعي في سلوكيات الطفل، وأضافت أن التفريق قد يكون صعبًا، لأن الفرق قد لا يكون واضحًا، لأن ما هو طبيعي يعتمد على مستوى نمو وتطور الطفل، وهو الأمر الذي يختلف بشكل كبير فيما بين الأطفال، كما أن التطور العقلي وتطور الذكاء لدى الطفل قد يختلف عن التطور والنمو الاجتماعي لديه.
وأضافت أن كثيرًا من الآباء والأمهات قد يجدون أن تقسيم سلوكيات الطفل إلى ثلاثة أنواع أمر مفيد في فهم سلوكيات الطفل، والنوع الأول: سلوكيات مطلوبة ومقبولة، مثل أداء الفروض المدرسية والالتزام بالأدب، وهي سلوكيات تستحق الإشادة. والنوع الثاني: سلوكيات لا يجدر أن يُعاقب عليها الطفل ويتم تحملها من الطفل في ظروف معينة، مثل مرض الطفل أو تعرض الأسرة للتوتر في حالة ولادة طفل جديد للأسرة، ومن أمثلة تلك السلوكيات عدم أداء ما يُطلب من الطفل والمعاندة.. وغيرها. والنوع الثالث: سلوكيات يجب ويجدر ألا يتم تحملها إذا صدرت عن الطفل كالتسبب بأذى الغير في الأسرة أو خارجها، أو الشتيمة أو السرقة أو الفشل الدراسي.. وغيرها.
وتذكر الأكاديمية أن التفاعل والتصرف من قبل الوالدين إزاء سلوكيات الطفل هو ما يهم، ذلك أن بعضهم قد يُفرط في التفسير أو التفاعل مع أشياء صغيرة أو غير مقصودة قد يفعلها الطفل والعكس صحيح، وهذا نتيجة لاختلاف طريقة تفكير الأمهات والآباء وخلفياتهم التعليمية والاجتماعية وعوامل عدة أخرى. وما تحدثت الأكاديمية عنه حول الوجبات الإعلامية للطفل هو مما أصبح من أنشطة الحياة اليومية للطفل في الترفيه والألعاب، وتعامل الوالدين يجدر أن يراعي حقيقة أن الطفل يحب اللعب، وأن اللعب بأداء المجهود البدني كواقع يومي هو بالفعل آخذ في الانحسار مع توفر ألعاب الفيديو التي يعشقها كثير من الأطفال. ولذا، فإن مشاركة الوالدين باللعب مع أطفالهم ألعاب الفيديو تساعدهم كثيرًا في فهم هذا العالم الجديد من الترفيه الإلكتروني، وفي بناء طرق للاستمتاع بصحبة الأطفال فيه وحمايتهم من أي أضرار قد تنشأ عنه.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]