د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

وفيات الحوامل.. حقائق الأرقام

ثمة حاجة مُلحّة لمراجعة الأرقام التي تتحدث عن احتمالات حصول المضاعفات والتداعيات الطبية، خصوصا فيما يخص الحالات المرضية وغير المرضية التي من المحتمل أن تكون سببًا في الوفيات Mortality أو انتشار المرض Morbidity. والسبب وراء ضرورة المراجعات هذه، هو أن الاعتقادات التلقائية الشائعة حول التحسن أو الانخفاض في معدلات الوفيات أو الضرر الصحي بسبب التقدم في الطب، والتقدم في توفير الرعاية الطبية، هي اعتقادات ليست بالضرورة سليمة وصحيحة، وربما لا تدعمها أرقام مؤشرات الأداء ونتائج الدراسات الطبية، وبالتالي قد لا تتوجه الجهود الطبية نحو تحقيق أهداف مهمة.
ويتجلى ذلك بوضوح، على سبيل المثال، في موضوع وفيات الحوامل خلال فترة الحمل، أو مباشرة بعد الولادة. والاعتقاد الشائع أن التطور الطبي الذي حصل في العالم خلال العقود الماضية في جوانب العناية الطبية بالحوامل، عبر برامج المتابعة الطبية للحوامل، وعبر تطور التقنيات الطبية في مراقبة الحالة الصحية للحوامل وللأجنة، وعبر تطور العناية الطبية بعملية الولادة ومرحلة ما بعد الولادة، وعبر تطور العناية الطبية بالحالات المرضية التي قد تنشأ مع الحمل، أو العناية الطبية بالحوامل اللواتي يُعانين بالأصل من أمراض مزمنة ذات تأثيرات صحية قد تهدد سلامتهن خلال عملية الحمل والولادة، كل هذا قد يدفع إلى نشوء اعتقاد تلقائي أن معدلات وفيات الحوامل خلال الولادة، أو بعدها مباشرة، هي بالفعل آخذة في الانخفاض، على أقل تقدير في الدول المتقدمة طبيًا، والمتفوقة في تقديم أفضل أنظمة الرعاية الطبية. ولكن يبقى السؤال: هل هذا صحيح؟
الإجابة باختصار: هذا ليس صحيحًا، وأرقام نتائج الإحصائيات لا تدل على ذلك البتة، وعلى الحوامل الاهتمام بصحتهن قبل وأثناء وبعد الحمل والولادة، وعلى الأطباء أن يهتموا بهذا الأمر. وبالتفصيل، تقول لنا نتائج دراسة الباحثين الطبيين من جامعة ماريلاند بالولايات المتحدة، إن عدد النساء بالولايات المتحدة اللواتي يمتن في أثناء أو بعد وقت قصير من الحمل والولادة هو أعلى مما كان يُعتقد سابقًا، ومعدلات الوفيات تلك آخذة في الزيادة، وذلك وفق نتائج دراستهم الواسعة التي تم نشرها ضمن عدد 8 أغسطس (آب) من مجلة «أمراض النساء والتوليد» Obstetrics & Gynecology.
ووفق ما أفاد به الباحثون في نتائج دراستهم، فإنه وبالمراجعة لما بين عامي 2000 و2014، فإن هناك ارتفاعا في المعدلات القومية لوفيات الأمهات الحوامل Nation›s Maternal Death Rate بالولايات المتحدة بنسبة نحو 27 في المائة. ويضيف هؤلاء الباحثون أن إحصائيات عام 2014 تشير إلى أن لكل 100 ألف ولادة لطفل حي Live Births تموت نحو 24 امرأة حاملا، إما خلال فترة الحمل أو في فترة الـ42 يومًا التالية للولادة، بينما كانت الأرقام المقابلة لعام 2000 أقل بكثير، وتحديدًا كانت نحو 19 وفاة لامرأة حامل في كل 100 ولادة لطفل حي.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الأرقام لمعدلات الوفيات هي أعلى وأسوأ من التقديرات السابقة، وأن مسؤولي الصحة الفيدرالية كانوا قد أفادوا بالفعل سابقًا أن ثمة ارتفاعًا في أرقام وفيات الأمهات في البلاد، ولكن تقديراتهم لعام 2010 كانت تدور حول رقم 16 وفاة لامرأة حامل لكل 100 ألف حالة ولادة طفل حي. ووفق ما أفادت به الدكتورة ماريان ماكدورمان، الباحثة الرئيسية بالدراسة من جامعة ماريلاند، فإن هذه النتائج الحديثة تُعطي صورة أوضح حول أين تقف الرعاية الطبية للحوامل بالولايات المتحدة. وأضافت أنه ليس مكانًا جيدًا ما نقف فيه. وووفق نص ما قاله الباحثون، فإن هذه الأرقام لعام 2014 تضعنا في المرتبة 30 بين الدول الـ31 التي تقدم تقاريرها إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية Organization for Economic Cooperation and Development، ولا تجعلنا سوى أفضل من المكسيك.
ولكن ثمة جانبا مهما آخر في الموضوع محل العرض، وهو أن السلطات الصحية في الولايات المتحدة، ومنذ عام 2003، تبنت اعتماد آلية جديدة وأفضل في دقة الرصد لحالات الوفيات بالعموم، عبر تطوير وتنقيح «شهادة الوفاة» Death Certificate، لتتضمن «خانات اختيار» Check Boxes جديدة وتفصيلية مرتبطة بالحمل والولادة، وهو ما أدى - وفق ما قالته الدكتورة ماكدورمان - إلى شيء من الارتفاع في رصد حالات الوفيات تلك، نتيجة لتغير أساليب إعداد تقارير الوفاة. ولكنها استدركت بالقول: تبقى نسبة 20 في المائة التي تعكس الارتفاع الحقيقي في معدلات وفيات الأمهات الحوامل، مقارنة بما كان عليه الحال عام 2000. وأضافت: «بالتأكيد لا تزال وفيات الأمهات الحوامل نادرة، ولكن ما يُقلق في الأمر أن معدلات ذلك لا تتحسن، بل ترتفع، والسؤال الكبير: لماذا؟ ودراستنا لم تحاول معرفة أسباب الوفيات لأننا هدفنا إلى معرفة أرقام معدلات الوفيات فقط»، وذلك ضمن نطاق الدراسة.
من جانبها، علقت الدكتورة نانسي تشيسكير، رئيسة التحرير في مجلة «طب النساء والتوليد»، حول معرفة بعض العوامل المؤثرة في حصول هذا الارتفاع للوفيات بالقول: «أصبح النساء في الولايات المتحدة، اليوم، يحملن في عمر متقدم، وهو ما يجعلهن عُرضة بشكل متزايد للسمنة وللمعاناة من أمراض مزمنة، كارتفاع ضغط الدم والسكري، مما يعني أن النساء اليوم يحملن ولديهن مخاطر صحية أعلى مقارنة بما كان في السابق، وهو ما يجعل فترة الحمل أكثر عرضة لخطر المضاعفات الصحية مقارنة مع السنوات الماضية، مثل النزيف وتسمم الحمل Preeclampsia».
وأكدت كل من الدكتورة ماكدورمان والدكتورة تشيسكير على أن نتائج هذه الدراسة ليس المقصود منها إثارة القلق لدى الأمهات الحوامل، لأن غالبية حالات الحمل والولادة تمر بسلام، ولكن من الضروري تذكر أن مرحلة الحمل والولادة تحمل شيئًا من الخطورة، مما يتطلب التخطيط لدخول الحمل والمرأة في أفضل حالة صحية، وأن تُتابع في برامج متابعة الحمل، وهما الخطوتان الأهم.