فرنك بروني
TT

أميركا.. أمة قسمتها العنصرية وجمعها الألم

ما من إجابات شافية عن كيفية إنهاء دائرة سفك الدماء هذه، وتلك الصور المفجعة التي تنهال علينا من ولايات لويزيانا ومينيسوتا وتكساس، بدولة واقعة في مأزق عميق، وأمامها الكثير من الألم الذي يجب تخفيفه، والغضب الذي يجب التخلص منه، والظلم الذي يتعيّن علينا مواجهته.
بيد أننا أمام خيارات كيفية امتصاص ما حدث، أو التهور بتوجيه أصابع الاتهام. واتخاذ الخيارات السليمة هو أمر بالغ الأهمية، حيث يبعث لدينا أملا حقيقيا لمعرفة ذلك، ولكن اتخاذ القرار الخطأ من شأنه أن يبدد هذا الأمل.
وهذا هو دور النقاش العام الذي يجمعنا جميعًا من مختلف المناحي والمصالح المتضاربة، في حين أننا جميعًا نصبو تقريبًا إلى الشيء نفسه وهو وضع حدّ للقتل، وأن يشعر كل مواطن أميركي بالاحترام والأمان.
وإن كانت لدينا اختلافاتنا حول كيفية الوصول إلى تلك النقطة، إلا أننا غير مسؤولين عن العناوين التحريضية التي تتصدر الأخبار مثل مانشيتات صحيفة «نيويورك بوست» عن «الحرب الأهلية» أو التي تصدرت موقع «ذي درودج ريبورت» الإخباري الأميركي عن «مقتل رجال شرطة بيض خلال مسيرة بلاك لايفز». فما من حاجة لرسم أطر متينة للمعركة.
وبدوره قال مالك عزيز، نائب رئيس الشرطة في دالاس خلال مقابلة مع «سي إن إن» يوم الجمعة: «لقد تطورت لدينا النزعات الانفصالية، وارتكن كل منا إلى زاويته الخاصة». وأضاف: «لا ينبغي أن يتكرر ما حدث أمس أو أول من أمس. وعندما يتكرر ذلك، فعلينا أن نتسم بالإنسانية. دعونا نكون رجالا ونساء شرفاء ونجلس على الطاولة ونقول: «كيف يمكن لنا ألا ندع ذلك يتكرر مجددًا؟ وعلينا أن نتحلى بالصدق الخالص من قلوبنا».
لا يمكننا أن نواصل الوقوع في نفس الفخاخ القديمة، ولا يمكننا الاستمرار في القفز إلى الاستنتاجات المتسرعة، والارتباطات المعيبة. وكما هو متوقع، فقد تكرر الحديث في أعقاب مقتل رجال الشرطة الخمسة في دالاس في وقت متأخر من يوم الخميس، فهذا من ثمار وأخطاء حركة «بلاك لايفز ماتر» (حياة السود مهمة)، التي تضع أرواح رجال الشرطة جزاء وفاقا لسوء إدارتهم.
وكان ذلك تفسيرا انتقائيا متعمدا للأحداث، متجاهلاً احتمالية أن يكون المسلح المشتبه به يتصرف بمفرده، وليس مبعوثًا عن أي جماعة متضررة.
كما يتجاهل هذا التفسير سلمية المسيرة في دالاس، وأنها بدأت بهدوء إلى أن سُمعت أصوات الطلقات. ووقف السود والبيض بجانب بعضهم بعضا، والمدنيون جنبًا إلى جنب مع رجال الشرطة. كما كان وجود الشرطة هناك على وجه التحديد لأنهم تلقوا إخطارا بالمظاهرة، وكان وجودهم أمرا مخططا له، ومن ثم فإن وجودهم كان تعاونيا ولا يعادي أحدا.
وقال عزيز مصدقًا على ذلك: «كان ضباط الشرطة يلتقطون الصور مع المتظاهرين، ويقومون بحمايتهم وحراستهم للتأكد من سلامة تحرك المتظاهرين من نقطة إلى أخرى».
ولم يكن هدفهم وسط إطلاق النيران الفرار للاحتماء، ولكن التحرك نحو مصدره واستعجال المتظاهرين للابتعاد عن المسرح. وإن لم نشدْ بذلك حق الإشادة، فلن نتمكن أبدا من الحصول على أوفى خدمة من ضباط الشرطة، التي نحن في حاجة إليها أيضًا، كما لن نتمكن أبدا من معالجة المطالب المشروعة والملحة في قلب مظاهرة دالاس وغيرها من المطالب المماثلة.
ومن جهته، قال رئيس الشرطة ديفيد براون خلال مؤتمر صحافي صباح يوم الجمعة: «نحن متضررون»، مضيفا أن «مهنتنا تضررت كذلك».
جدير بالذكر أن براون رئيس الشرطة أسود، كالكثير من رجال الشرطة في قوة دالاس، التي تتميز بالتنوع وتتمتع بسجل طيّب. وناشد الجميع أن يضعوا في اعتبارهم أن هؤلاء الرجال والنساء في دالاس، وفي سائر الأماكن الأخرى «يخاطرون بحياتهم حرفيًا من أجل حماية ديمقراطيتنا».
وأضاف: «لا نشعر بالدعم كثيرًا في معظم الأيام. فدعونا لا نجعل من اليوم كسائر الأيام».
ويُعد هذا النداء الأكثر تأثيرًا من حيث توحيده للشرطة والمتظاهرين، في رغبة منهم بأن لا يجري تعميم أحكام دامغة في حق فئة كاملة بعينها. ومن الممكن مقاومة هذا التحيز ونبذ هذا التهكم. وعلينا التحلي بالصدق والهدوء بمثل هذه الطريقة.
علاوة على ذلك، فعلينا أن نكون مخلصين أيضًا، ولا نتأثر بالقبح الذي كشفت التكنولوجيا ووسائل الإعلام عن وجهه – من خلال نشر لقطات فيديو للشرطة، وهي تفتح النيران على آلتون استرلنغ في باتون روج عاصمة ولاية لويزيانا، يوم الثلاثاء، وشريط فيديو يظهر فيه فيلاندو كاستل وهو ينزف حتى الموت، بجانب صديقته دايموند رينولدز يوم الأربعاء في فالكون هايتس، بولاية مينيسوتا. وتظهر فيه رينولدز وهي تتوسل ضابط الشرطة مرارًا الذي أطلق النار على كاستل، قائلة: «يا سيدي»، كما ظهر مسدسه بوضوح موجهًا إلى داخل السيارة، حيث تجلس هي وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات. يا لها من صورة مثيرة للصدمة تنم عن العجز وقلة الحيلة.
وفي صباح يوم الجمعة، ظهرت رينولدز على قناة «سي إن إن» الإخبارية، وأصرت على ألا يجري التعامل مع قضيتها في عزلة، مشددة على أنها قضية «جميع الأسر التي فقدت أفرادها». مضيفة أن «ما حدث في دالاس لم يحدث بسبب ما حدث في مينيسوتا. فهذا أكبر من فيلاندو وأكبر من تريفون مارتن، وأكبر من ساندرا بلاند. وهو أكبر منا جميعًا».
من جانبه، صرح مارك دايتون حاكم ولاية مينيسوتا متسائلاً: «هل كان هذا سيحدث إن كان الركاب من البيض؟ لا أعتقد ذلك».
إنه سؤال مهم، وهو تخمين يمكن الدفاع عنه، وعلينا أن نتحلى بالقدرة على الاستماع والتعبير على حد سواء، دون وضع أسباب معينة وفئات مخصصة من خلال السرد، وكأن كل تطور جديد وكل موت جديد كهراوة يُجرى إشهارها.
وثمة سبب واحد هنا: اتخاذ الخطوات المناسبة، في مجال العدالة الجنائية، وتدريبات الشرطة، وفي المدارس وفي الخطاب العام، لكي يمضي كل منا في حياته اليومية، وهو في أقصى درجات السلام الممكنة، وأن يشمل ذلك كافة أنحاء أميركا.
وأحد الخيارات المهمة التي يمكن أن نحققها تتمثل في اختيار من نستمع إليه. فثمة أصوات كثيرة جدًا تسعى إلى تأجيج الأوضاع. وأصوات لا تسعى لذلك. وبرزت منها ثلاثة أصوات في دالاس.
وكان أحدهم هو عمدة دالاس مايك رولينغز، الذي قال معربًا عن أسفه عن كيف أن القضايا العرقية «تواصل تقسيمنا». وأضاف رولينغز: «أنتمي إلى هذا الجيل من القادة. ونحن مسؤولون عن سماحنا لاستمرار هذا الوضع في التفاقم، وبأننا قدنا الجيل القادم إلى مسار آثم، تتناقض فيه الأقوال مع الأفعال بعضها ضد البعض».
وثمة صوت آخر، يتمثل في إيريك ويلسون، نائب العمدة الحالي للمدينة، الذي قال لشبكة «سي إن إن»: «لم يسبق أن تم التوصل إلى حل أي صراع بالعنف. دائمًا ما يتم الحل من خلال المحادثات، وهذا ما ينبغي علينا التركيز عليه».
وأخيرًا صوت نائب رئيس الشرطة مالك عزيز، الذي قال في إشارة إلى الحالات التي شملت سائر أنحاء البلاد من استخدام الشرطة للقوة المفرطة: «يجب محاسبتنا، ومن أجل هذا وُجد نظام العدالة الجنائية».
بيد أنه في الوقت نفسه شدد على ضرورة الانخراط في «حوار حقيقي داخل المجتمع، بأنه لم يعد بوسعنا أن ننقسم، فلا يمكننا أن نقسم أنفسنا».
* خدمة: «نيويورك تايمز»