جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

لا تحكموا على السياحة بالإعدام!

كم أنا حزينة لسماع خبر تحطم الطائرة التابعة لشركة مصر للطيران، وكم أنا حزينة على هؤلاء الركاب الأبرياء الذين شاء القدر بأن يكونوا ضحايا واحدة من أبشع الحوادث.
وكم أنا حزينة لان مصر لم تستطع أن تتنفس الصعداء لكي تنأى بنفسها عن شبح الارهاب حتى تجد نفسها وسط زوبعة إعلامية جديدة تؤثر على السياحة فيها التي تعتبر عصب حياة الملايين، فمصر تتنفس سياحة، وملايين المصريين يعتاشون من وراء السياح وليست مصر هي الدولة الوحيدة التي تدفع ثمن الحوادث والارهاب والتوترات الامنية إنما هناك لائحة طويلة من البلدان التي تدمى وتتعذب وتعاني من هجر السياح.
في آخر زيارة قمت بها الى باريس، اشتممت رائحة الخوف ورأيت الفراغ، فباريس هي من بين أكثر المدن التي يرتادها السياح في العالم، زارها في عام 2013 أكثر من 32 مليون سائح، لكن اليوم وبعد العمليات الارهابية التي طالتها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تراها تحاول أن تلملم جراحها، فمن زارها قبل نوفمبر وبعده يعي بأن باريس فقدت نوعاً من حيويتها وأهلك الإرهاب سياحتها.
أما بالنسبة لسورية فحدث ولا حرج، تلك البلاد الاثرية والتاريخية، وضعها مأساوي، هجرها السياح ولا يزورها إلا حفنة من الاجانب الباحثين عن المغامرات المثيرة في أسفارهم.
أما لبنان، فهو يدفع ثمناً باهظاً بسبب عدم الاستقرار الأمني فيه والتطبيل الإعلامي العالمي السلبي الذي يخيف حتى أهله المغتربين من زيارته.
وتونس الخضراء التي كانت في السابق ملاذاً للسياح الاجانب، أصبحت اليوم الاعمال الارهابية التي طالتها هي النتيجة الاولى على محرك غوغل بمجرد أن تكتب كلمة "تونس" على جهازك.
وكما قلت في مستهل الموضوع ، لائحة البلدان التي تنعى السياحة فيها طويلة ولا يمكن أن نحصيها في أسطر.
ونعود الى كارثة الطائرة المنكوبة ، وبعد الدعاء بالرحمة لنفوس الركاب الذين قضوا، أتمنى لو أننا لا نفقد الامل بالسفر، فكارثة الطائرة "إم إس 804" ستبقى محفورة في ذاكرة ذوي الضحايا والتاريخ والملاحة العالمية ومصلحة تسجيل الحوادث الجوية .. ولكن يجب علينا أن نتحلى بالايجابية ولا نحكم على مصر بالاعدام السياحي لان السفر بالطائرة وعلى الرغم من حدوثه بين الفينة والاخرى هو أكثر أنواع السفر أمناً بالمقارنة مع التنقل بالسيارة أو القطار.
ووفقاً لدراسات أميركية فإن المسافرين على متن القطار أو الحافلة هم عرضة للموت أكثر من 5 مرات من المسافرين على متن طائرة، أما المسافرون في السيارة فهم عرضة للموت أكثر من 72 مرة من المسافرين جواً.
أنا لا أقلل من الالم الناتج عن تحطم الطائرة المصرية ولكن عندما أرى في نشرات الاخبار بأن الاعلام الغربي انتقى بعض الاشخاص لنشر آرائهم التي تحذر من السفر الى مصر أو السفر بالطائرة لانها وسيلة غير آمنة ، أعود وأقول بأن الوضع مأساوي، وليس من المنصف أن نزيد الطين بلة ونهدم اقتصادات بلدان بأكملها بمجرد التخوف من السفر، فالاعمار بيد الله، وما كتبه الله علينا هو حق ولا يسعنا إلا أن نسلم أمرنا له.
فالحوادث تحصل في أي وقت وفي أي مكان، جوا وبرا وبحرا وحتى لو كنت في منزلك وفي سريرك، حوادث الطيران لها وقعها الاقوى في الاعلام وعلى السمع لانها لا تحصل كثيراً ويلقى فيها عدد كبير نهايته في حادثة واحدة ولكن حوادث السيارات التي يذهب ضحيتها الملايين سنويا قلما تذكر في الاعلام ولهذا السبب يعتقد البعض بأنها طريقة آمنة.
أخيراً ، أدعو محبي السفر الى تشجيع مصر وغيرها من البلدان التي هشمها الارهاب فهي بحاجة للسياحة فلا تحكموا عليها بالإعدام!