حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

عمدة لندن المسلم وقضايا للنقاش

هل ثمة مشكلة حقيقية لمن رضي بقواعد اللعبة السياسية والديمقراطية الغربية من أفراد الأقليات المسلمة أن يؤيد سياسة حزبه في دعم زواج المثليين ويقوم بزيارة الكنيس اليهودي بمناسبة ذكرى الهولوكوست ويعترض على مقاطعة التبادل التجاري مع إسرائيل كما هي مواقف عمدة مدينة لندن المسلم الجديد صديق خان؟ وهي المواقف التي جلبت عليه سخط شريحة من الجالية الإسلامية البريطانية وبعض شعوب العالم العربي، لدرجة القول بأنه لم يكن بمقدور العمدة صديق خان أن يصل لهذا المنصب الرفيع لولا هذه «التنازلات المهينة».
طبعًا لن يتوقع أحد مني أن أؤيد مواقف عمدة لندن التي وردت في التساؤل المطروح في مستهل المقال مهما كانت المسوغات والمبررات، ولكني أيضًا لن أهاجمه وأتهمه بالعمالة وبيع دينه بعرض من الدنيا، بل أنتقد ما أراه خطأ في مواقفه، وفي ذات الوقت أدعم وجوده ووجود غيره من أفراد الأقليات المسلمة في الغرب أو في الشرق في مثل هذه المناصب.
لقد فات على الكثير من الذين هاجموا صديق خان حقيقة أن الدخول في عالم السياسة بمناصبها وبرلماناتها ومؤسساتها ومستحقاتها له ضريبة عالية، والنكوص عن المشاركة السياسية بحجة الضريبة العالية له ضريبة أعلى وأشد، فكل السياسات العسكرية والأمنية والتعليمية والاجتماعية والحقوقية ورسم السياسات الداخلية والخارجية والمواقف من القضايا العربية والإسلامية التي لها تأثير مباشر على الأقليات المسلمة بل وعلى العالم العربي والإسلامي يطبخها السياسيون الغربيون، فإذا لم تدخل الأقليات المسلمة مع الطباخين فاتها حتى مرقة المطبوخ، ولقد أدركت الأقليات اليهودية في الغرب هذه الحقيقة فدخلت المعترك السياسي ونجحت في تحقيق الكثير من مطالبها ومطالب الكيان الإسرائيلي الغاصب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي تقديري أن أغلب المواقف «السلبية» للسياسيين المسلمين في العالم الغربي، كما هو الحال مع عمدة لندن المسلم، لا تنطلق من قناعة ذاتية وإنما من براغماتية فرضها انتماؤه لحزب العمال البريطاني الذي وإن بدا متحررًا من القيود المحافظة إلا أنه يناصر الأقليات العرقية والدينية والمذهبية مثل الأقلية المسلمة واليهودية والسيخية والبوذية والشواذ، فمن يدافع عن العمدة صديق خان يقول بأن تقلد المسلمين في الدول الغربية مناصب سياسية مهم جدًا لمناصرة حقوقهم ومطالبهم، ولكنه أيضًا يمر عبر منظومة الأحزاب التي لها آيديولوجيتها، ومن شروط اللعبة السياسية أنه لا يمكن الفوز بالترشيحات الوزارية والبرلمانية وغيرها كمنصب العمدة إلا أن يظهر السياسي المسلم تأييدًا لآيديولوجيا الحزب ومواقفه التي ربما تعارضت مع قناعاته الشخصية.
ففي صراعه الشرس مع مرشح حزب المحافظين زاك غولدسميث، أظهر عمدة لندن تعاطفًا مع المحرقة اليهودية وعارض مقاطعة البضائع الإسرائيلية ليقطع الطريق على منافسه اليهودي الذي كال عليه تهمًا كثيرة بمساندة من رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون، وهكذا ليس كل موقف للساسة المسلمين الغربيين يؤخذ على ظاهره بل الموقف أكثر تعقيدًا مما يبدو للناس، وكثير منه يقوم على «فقه الموازنات»، وهذه بالذات يختلف الناس في تقديرها اختلافًا كبيرًا، هذا ليس تبريرًا لمواقف عمدة لندن المسلم ولا غيره ولكنها محاولة لفهم ملابسات هذه المواقف ومنطلقاتها، وفهم المواقف لا يعني بالضرورة الاتفاق معها.
ويرى كثير من الأصدقاء من زعامات الأقلية المسلمة في بريطانيا ممن ناقشتهم مطولاً حول فوز صديق خان بمنصب عمدة لندن أن المصلحة الكبرى المتحققة من دخولهم عالم السياسة تستحق كل الخدوش وبعض التنازلات التي تفرضها بعض الموازنات، وإن اختلفوا في نوعية هذه التنازلات والموازنات.