نجافي التاريخ عندما نقول إن العلاقة بين السعودية ومصر سهلة، رغم الجغرافيا التي تربطهما على جانبي البحر الأحمر بطول يمتد مئات الكيلومترات، والتاريخ المشترك. وأقرب وصف لهذه العلاقة هي أنها تشبه أبناء العمومة الذين تجمعهم أواصر الدم والقربى، لكن في بعض الأحيان يكون بينهما شد أو تنافس أو غيرة ورؤى مختلفة، تأخذ في بعض الأحيان شكلاً ساخنًا، مثلما حدث في الفترة الناصرية، لكن في الأزمات لا يجد البلدان أمامهما سوى التآزر مثلما حدث بعد هزيمة 1967 ووقوف الملك فيصل إلى جانب عبد الناصر في ذلك الوقت في قمة الخرطوم.
أخذت العلاقة خطًا بيانيًا صاعدًا بعد ذلك، في الفترة الساداتية، وحرب أكتوبر (تشرين الأول)، واستخدام سلاح البترول دعمًا لمصر وسوريا، ثم حدث تباين في الرؤى مع قرار الرئيس السادات بالمضي في عملية السلام وكامب ديفيد، لإخراج مصر من دوامة الحروب، لكن الخط البياني صعد مجددًا في فترة مبارك، خاصة بعد حرب تحرير الكويت.
قدمت السعودية ومعها الدول الخليجية، خاصة الإمارات، الكثير من الدعم في المجال الاقتصادي إلى مصر، وفي مجال المشروعات المشتركة، حتى جاء طوفان الربيع العربي وأصبح كل شيء على حد السيف، فالنظام الإقليمي العربي كله مهدد بعاصفة تغير كل شيء، وحتى الذين يبشرون بها لا يعرفون إلى أين ستقود، مثلما أثبتت تطورات السنوات الخمس الماضية.
فمن السهل على الآخرين أن يأتوا من على بُعد آلاف الأميال بعد خمس سنوات ليقيّموا ماذا حدث في ليبيا أو سوريا، ولماذا أصبح الربيع حمام دم، ويقولوا أخطأنا في كذا وكذا، لكن هذا لا يلغي أن هناك بشرًا دفعوا ثمنًا غاليًا وما زالوا يدفعون، وأن هناك خرابًا حدث ويحتاج إلى سنوات طويلة لإصلاحه.
في مصر كان الثمن سيصبح فادحًا بالنسبة للمنطقة كلها والاستقرار الإقليمي كله؛ فحتى المغامرون الذين كانوا يريدون تطبيق نظريات أشبه بما قاد إلى هذه الفوضى والطائفية التي نراها في العراق لم يقدروا جيدًا حجم الفيضان الذي سيحدث من انهيار السد ويجرف الجميع ويحدث فوضى لا يمكن أن تكون خلّاقة. لذلك بادرت السعودية إلى قيادة عملية دعم غير مسبوقة إلى مصر، خاصة بعد انهيار حكم الإخوان، قدرت بمليارات الدولارات.
وجاءت زيارة الملك سلمان التي انتهت أمس لتنقل شكل العلاقات والتعاون إلى آفاق جديدة غير مسبوقة عن طريق مشروع ضخم للربط البري بين البلدين يربط سيناء بالأراضي السعودية من فوق البحر الأحمر، وهو ما يمكن أن يطلق عليه مجازًا ربط عرب آسيا بأفريقيا، فصحيح أن سيناء هي الجزء الآسيوي من مصر لكنها ترتبط بأفريقيا برًا بعد عبور قناة السويس.
الجسر والمشروعات التي أعلن عنها لمناطق حرة وتنمية عمرانية واقتصادية في سيناء تفتح آفاقًا كبيرة للتجارة والتنمية الاقتصادية بين اقتصادين كبيرين من حيث حركة المسافرين والبضائع والتجارة وشبكة الطرق، إذا جرت الاستفادة منها بشكل جيد لتكون قاطرة لشبكة تجارة إقليمية مع العالم تتكامل مع قناة السويس والمشروعات المقامة عليها.
مفهوم أن تكون هناك تحفظات بيئية أو سياسية من بعض الأطراف، لكن كل هذا يمكن أن تكون له تطمينات وحلول في ضوء الفوائد التي ستحدث للجميع، ولنأخذ مثلاً كيف غير نفق المانش الذي حفر بين الساحلين البريطاني والفرنسي حركة السفر والبضائع بين بريطانيا وأوروبا وليس بين البلدين فقط، وكيف انتعشت مدن ساحلية من جراء المشروع.
تحدث كثيرًا المفكرون والسياسيون لسنوات عن التكامل العربي والمشروعات المشتركة وأين هي وأين التضامن العربي، وها نحن نرى أبرز بلدين عربيين يطبقان ذلك بمشروعات تتجاوز الأطر التقليدية السابقة إلى آفاق عملية جديدة غير مسبوقة تربط البر بالبر، هذه المرة يمكن لأبناء العمومة أن يشقوا طريقًا عبر البحر نحو منظومة علاقات عربية كلها فوائد واستقرار ورخاء يمتد للجميع.
11:26 دقيقة
TT
أبناء العمومة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة