محمد واني
كاتب من كردستان العراق
TT

أين السيادة الوطنية يا صاحب السيادة؟!

تشير الوقائع والاحداث السياسية المعاصرة الى ان من اكثر الناس الذين ينتهكون الحرية والسيادة الوطنية في العالم العربي هم من يزعمون التصدي لمبادئ الوطنية والحرية ويرفعون شعاراتها ويحاولون تطبيق هذه الشعارات على ارض الواقع بالطرق العنيفة والانقلابات المسلحة وفرض الأمر الواقع بالقوة. فلم تتضرر الأمة العربية وألحقت بها هزائم ومصائب لا تحصى بقدر ما تضررت على يد أدعياء القومية من العروبيين والقومجيين الراديكاليين، وأكثر من أساؤوا الى الاسلام وشريعته الغراء وشوهوا وجهها البسيط السمح، هم اصحاب التنظيمات والحركات والاحزاب الاسلامية السياسية المتطرفة والميليشيات الطائفية والتنظيمات الارهابية ومصدرو الفتن والثورات الطائفية الى العالم باسم الاسلام! فقد ظل رواد "الفكر العروبي الثوري" ينتهجون أسلوبين متناقضين في فرض هيمنتهم على بعض البلدان العربية المفصلية على مدى نصف قرن من الزمان؛ أسلوب يدعو الى الوحدة والحرية ولم الشمل العربي وتحريم التقاتل العربي - العربي، واسلوب يعمل على عكس ذلك ويدعو الى اخضاع الآخرين بالقوة، هكذا فعل حافظ الاسد وصدام حسين، ظلا يدعوان الى حرية الشعوب العربية ووحدة بلدانها وتحريرها من ربقة الاستعمار وأذنابه على طريقتهما الثورية الانقلابية رافعين شعار (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، فشكل الاول أي حافظ الاسد جبهة وهمية سماها "جبهة المقاومة والممانعة" لمواجهة العدو الصهيوني الاسرائيلي التوسعي والتصدي للمخطط الاميركي في المنطقة ـــ على حد زعمه ــ وظل يبتز الامة العربية ويستنفد طاقاتها لسنوات طويلة ويرتكب فظائع بحق السوريين ويواصل تعديه على اللبنانيين ويحتل بلدهم بحجة انه يقود جبهة "المقاومة والممناعة"، وهي أكبر كذبة عرفها التاريخ العربي المعاصر! ورغم ظهور زيف ادعاء هذا الشعار وبطلانه، فاننا ما زلنا نرى بعض المخدوعين يتبعون ابنه "بشار" ويواصلون جرائمهم في ظل قيادته لنفس "الجبهة " الزائفة!؟ ففيما كانت عائلة الاسد تشغل الجهة الغربية للامة العربية وتلهيها بمقاومات وممانعات وهمية، يتوج الثاني"صدام حسين" نفسه "زعيما" للأمة العربية و"حارسا أمينا" لبوابتها الشرقية والمدافع العروبي الصلب عن الخليج العربي ضد "الفرس"، وبينما كان يقيم احتفالات ومهرجانات صاخبة بمناسبة انتصاره العسكري التاريخي"الكبير!" على ايران بعد ثمان سنوات من حرب ضروس هلك فيها الزرع والضرع وتحول العراق الى بلد محطم سياسيا ومقسم جغرافيا، نراه يحرك قواته العسكرية نحو دولة عربية كاملة السيادة هي "الكويت" ليحتلها ويضيفها الى امبراطوريته العروبية المزعومة بغمضة عين في عملية نهب وقرصنة لم تشهد المنطقة مثيلا لها، ضاربا بعرض الحائط كل المبادئ والشعارات القومية التي كان يرفعها ويسوقها ويخدع بها الشعوب العربية، ولولا غباؤه وقصر نظره الاستراتيجي لما تعرض العراق الى الغزو الاميركي والتدخل الايراني السافر وخضع لهيمنته السياسية والعسكرية والمالية.. وان كان صدام حسين وبشار الاسد قد ظلا يسوقان الشعارات القومية ويظهران حرصهما الشديد على الوحدة والسيادة الوطنية وهما من اكثر الناس تفريطا بها، فان "نوري المالكي" جاء من بعدهما ليواصل نفس طريقتهما في خرق السيادة العراقية وشرخ وحدتها الوطنية عبر تبنيه الفكر الطائفي واثارة الفوضى والأزمات السياسية، الأمر الذي أدى في النهاية الى ظهور تنظيم "داعش" الارهابي في المشهد العراقي وتمدده بنحو ثلث أراضيه.. وما زال يندد بتجاوزات القوات التركية على الحدود العراقية ويطالبها بالانسحاب وعدم "خرق السيادة الوطنية"، بينما يفتح ابواب العراق على مصاريعها لأطماع ايران الاستعمارية ويسلمها مفاصل الدولة الاساسية! فأين السيادة الوطنية من التجاوزات الايرانية المستمرة على الاراضي العراقية وهيمنتها على مفاصل الدولة الاساسية يا صاحب السيادة "الوطنية"؟!