معد فياض
كاتب وصحافي عراقي مقيم في لندن يعمل في "الشرق الأوسط" مند 1988
TT

إرهابيون.. وملائكة

في حوار لي مع وزير التعليم العالي العراقي علي الأديب، القيادي البارز في حزب الدعوة، الذي يتزعمه نوري المالكي رئيس وزراء العراق، نشر في وقت سابق في «الشرق الأوسط»، وعلى أثر اتهام المالكي للقيادات السنية العراقية أمثال: طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية المستقيل، ورافع العيساوي وزير المالية وقتذاك، وعضو مجلس النواب أحمد العلواني، وقبلهم النائب السابق عدنان الدليمي، والشيخ حارث الضاري رئيس هيئة العلماء المسلمين، بالإرهاب، وإحالتهم للقضاء وفق المادة الرابعة (إرهاب) السيئة الصيت، سألت الأديب: «هل من المعقول ان كل القيادات السنية إرهابيون وأنتم ملائكة؟»، أجاب ببرود: «هذا ما أكدته الأدلة»، من دون أن يوضح أية أدلة.
العراق ما عرف الإرهاب الحقيقي إلا بعد 2003، عندما فتحت الحدود أمام إيران على مصراعيها لتتغلغل في مدن البلد، خاصة في جنوبه ووسطه، مؤسسات استخباراتية إيرانية بإشراف فيلق القدس الذي يقوده الجنرال الإيراني قاسم سليماني، والذي اعترف في تصريحات إعلامية بأنه من يقرر سياسة العراق. المؤسسات الإيرانية الاستخباراتية اتخذت أشكالا متعددة، منها ثقافية وتجارية ومدارس فارسية وحسينيات وملاجئ للأيتام ودور لرعاية الأطفال، وغيرها، كما دعمت إيران وعن طريق هذه المؤسسات أو مباشرة صحفا وقنوات فضائية وإذاعات عراقية حتى باتت طهران هي التي تقرر بالفعل سياسة العراق الداخلية والخارجية وتقود السياسيين من العرب والأكراد نحو مؤشر بوصلة السياسة الإيرانية، وأفضل مثل هو الخط الأحمر الذي وضعته طهران على ترؤس إياد علاوي - السياسي العراقي الوطني وزعيم ائتلاف العراقية وأول رئيس وزراء للعراق بعد تغيير النظام السابق - للحكومة إثر فوز ائتلافه في انتخابات 2010.
ولم تخف غالبية من المسؤولين والسياسيين العراقيين معلومات وتصريحات تؤكد أن إيران تتدخل في الملف الأمني العراقي مباشرة، وهي ضليعة في عمليات إرهابية كثيرة داخل العراق ولا تزال، لكن أي واحد في حزب وحكومة المالكي، خاصة من ائتلافه (دولة القانون) لا يجرؤ على الإشارة إلى تورط طهران في العمليات الإرهابية داخل العراق، وهذا معروف تماما، ليس لأن هؤلاء المسؤولين من المذهب الشيعي وأنهم يتبعون إيران مذهبيا، بل لأنهم يدينون لطهران التي نصبت المالكي رئيسا لحكومة العراق لولايتين، وربما ستسعى لإبقائه لولاية ثالثة.
أول من تورط بالعمليات الإرهابية هو حزب الدعوة، وفي أخطر العمليات الإرهابية، ألا وهو إرهاب الدولة، فقد مارس رئيس الحكومة العراقية السابق إبراهيم الجعفري، وعندما كان أمينا عاما لحزب الدعوة، وهو القائد العام للقوات المسلحة، الإرهاب ضد مواطنيه وتغاضى عن قتل السنة عام 2006 بعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء، وكانت الجثث تتناثر في شوارع وحدائق بغداد وغيرها من المدن العراقية، وخلفه المالكي، وباعتباره، أيضا، الأمين العام لحزب الدعوة ورئيسا للحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، أدخل المالكي عنصرا جديدا في تنفيذ عمليات محرمة ضد الشعب العراقي ألا وهو الجيش، الذي يفترض أن يكون «سورا للوطن» ويحمي البلد من العدوان الخارجي، لكن رئيس الحكومة زج بالقوات المسلحة إلى معارك ضد المدنيين العزل من أبناء الشعب العراقي من الشيعة والسنة، مثلما حدث في مجزرة (الزركة) عام 2007، وهجوم الجيش على معسكر أشرف للاجئين من مجاهدي خلق عام 2011، ومجزرة الحويجة عندما فتحت القوات المسلحة النار على المتظاهرين العزل العام الماضي، بينما لا تزال قوات الجيش العراقي تخوض معاركها البرية والجوية ضد أبناء العشائر في الأنبار بدلا من تلبية مطالبهم المشروعة التي نادوا بها في اعتصامات استمرت لأكثر من عام.
يضاف إلى كل هذا الانفلات الأمني الذي يسود العراق، والتفجيرات التي تحصد أرواح المدنيين الأبرياء بالعشرات أسبوعيا نتيجة البناء الطائفي للقوات المسلحة وللشرطة العراقية غير المؤهلة لأداء مهامها، وكون البنية الحقيقية للقوات الأمنية هي ميليشيات فيلق بدر وميلشيات شيعية اندمجت في جسد القوات المسلحة، ويتحمل المالكي ذاته مسؤولية كل هذه الجرائم الإرهابية، ومسؤولية الإخفاق الأمني الفاضح كونه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني وكالة.
بعد كل هذا وذاك يأتي المالكي ليلقي بمسؤولية إخفاقاته الأمنية والسياسية على كاهل المملكة العربية السعودية وقطر!! السعودية، التي أصدر عاهلها الملك عبد الله بن عبد العزيز قرارات صارمة وحاسمة ضد الإرهابيين ومن يتورط بالإرهاب من مواطنيه، أصبحت في رأي رئيس حكومة العراق دولة داعمة للإرهاب في العراق دون أن يفسر للرأي العام كيف ولماذا؟ والنكتة الأكثر مرارة هي دعوة المالكي لمؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب يفتتح ببغداد اليوم! ترى هل سيسمح بفضح إيران باعتبارها دولة راعية للإرهاب؟ وهل سيتم تناول عمليات إقحام القوات المسلحة العراقية بعمليات إرهابية ضد المدنيين العزل؟ وهل سيتم استعراض تورط راعي المؤتمر ذاته بعمليات إرهابية ضد شعبه؟ المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب ببغداد ربما يريد المالكي أن يبرهن من خلاله على أنه زعيم الملائكة وباقي البشر إرهابيون، وأنه بطل تحرير الشعوب من الإرهاب بينما شعبه أكبر ضحية للإرهاب بسبب إخفاقاته وممارساته الطائفية، ولخرقه للدستور وعدم إيمانه بالديمقراطية وعدم التزامه بأي تعهد قطعه للعراقيين أو لمن يسمون شركاءه في العملية السياسية.