باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

على أبواب الحلول السياسية

لوحة الصراعات الناشبة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، الدولية منها والإقليمية والوطنية المحلية، تغيرت ألوانًا وخطوطًا، في الأيام الأخيرة. أي بعد الاتفاق الأميركي - الروسي على تولي مجلس الأمن معالجة المحنة السورية، ودخول الأطراف في ليبيا واليمن، مبدئيًا، نوعًا من وقف إطلاق النار أو المفاوضات، ولا سيما بعد قيام التحالف الإسلامي لمقاومة الإرهاب بمبادرة من السعودية. هذا على صعيد الحلحلة. أما على صعيد مزيد من التعقيد، فقد دخلت معادلات جديدة على المحنة الشاملة كالتوتر بين تركيا وروسيا، وشكوى الحكومة العراقية من تركيا بسبب دخول قواتها إلى الأراضي العراقية، واحتدام القتال في سوريا مع تدخل روسيا وإيران العسكري في المعارك.
والسؤال الجديد قد يكون: هل المحنة التي تعصف بالمنطقة العربية الشرق أوسطية تزداد تعقيدًا وشراسة وتشعبًا.. أم أنها دخلت مرحلة الحلحلة وربما الحل؟
الإجابة عن هذا التساؤل ليست هينة، صحيح أن القاسم المشترك بين الجميع والمعلن هو: القضاء على الإرهاب، ولكن أي نوع منه؟ أي تنظيم أو جماعة أو فريق؟ لقد جاء في أحد تحقيقات وكالات الأنباء أن عدد هذه التنظيمات والجماعات المتطرفة بين كبيرة وصغيرة، يتعدى المائة والستين، وأن الدول الكبرى ودول المنطقة ليست متفقة على تحديد الإرهابية بينها وغير الإرهابية. صحيح أن هناك اتفاقًا جماعيًا على اعتبار «داعش» و«القاعدة» من التنظيمات الإرهابية، ولكن ليس هناك اتفاق شامل على طريقة محاربتها والقضاء عليها. أوليس غريبًا أن آلاف الغارات التي شنتها روسيا والدول الكبرى قبلها على «داعش» في شمال سوريا والعراق، طوال سنة ونيف، لم تقضِ عليها أو تشلها؟
الخبراء العسكريون يجمعون على أن تحرير شمال سوريا والعراق من الاحتلال الداعشي لا يتم إلا بقوات على الأرض، ولكن أي قوات؟ الولايات المتحدة والدول الكبرى عموما ليست مستعدة كما أعلن المسؤولون فيها لإرسال قوات برية إلى المنطقة، أما الدول الإقليمية النافذة فهي تحتاج إلى طلب من الأنظمة وموافقة من مجلس الأمن للتدخل عسكريًا في العراق أو سوريا. ولا يبدو ذلك ممكنًا أو واردًا في الظروف الراهنة، وفي كل الحالات.
من هنا، فإن البابين المفتوحين أمام الدول الكبرى ودول المنطقة هما: تجميد «داعش» والتنظيمات الإرهابية وحصرها في الأمكنة التي تحتلها، ومواصلة قصفها من الجو لشلها، وتشجيع ودفع الأنظمة ومعارضيها إلى اختيار المفاوضات والحل السياسي. وكلا الطريقين طويل ومحفوف بالمفاجآت والعقبات والمطبات.
بعض المراقبين يرون أن العقدتين الرئيسيتين اللتين تتفرع عنهما التعقيدات الأخرى، هما مستقبل الحكم في سوريا والخطر الإقليمي والدولي الذي يشكله «داعش»، فباستثناء روسيا وإيران هناك إجماع عالمي بأن نظام الحكم في سوريا لا يجوز أن يبقى برئاسة الأسد وحزبه. كما أن هناك إجماعًا دوليًا وعربيًا على أن لا يحل «داعش» أو أي تنظيم متطرف محله في سوريا. إنما المشكلة هي في أنه ليس من السهل حرمان المقاتلين من حق التمثيل وحصره بممثلي المعارضة السياسية المدنية. ومن هنا أهمية اجتماع الرياض الأخير، وأهمية توحيد صفوف المعارضتين المدنية والعسكرية للتوصل إلى إقامة دولة ديمقراطية تعددية جديدة في سوريا.
لا شك في أن الحلول السياسية للخروج من المحنة أفضل بكثير من تمادي الصراع والتقاتل والتدمير والتمزق الوطني والقومي والطائفي.
ما دام هناك إجماع دولي على القضاء على «داعش» والتنظيمات الإرهابية المتطرفة التي باتت تقترب من أوروبا وتهددها في أمنها وسلامتها، وما دام معالم النظام الذي سيخلف الأسد - البعث في سوريا لم ترتسم بعد، فإن خطوات حل محنة سوريا والمنطقة، لن تكون إلا صغيرة، وعودة الاستقرار والسلام إليهما إلا بعيدًا لسوء حظ الشعب السوري.