شذى الجبوري
صحافية عراقية عملت سنوات في بغداد ولندن والآن تغطي الشأن السوري
TT

السيناريو العراقي

بينما تدخل الثورة السورية عامها الرابع هذه الأيام، يتحدث البعض، في الغرب خصوصا، عن تجنيب سوريا السيناريو العراقي في حال أطيح بنظام بشار الاسد. ويقصد بالسيناريو العراقي انهيار الأمن الذي نتج عن حل الاجهزة الامنية عقب سقوط نظام الرئيس صدام حسين في ابريل (نيسان) 2003، بقرار من الحاكم المدني الاميركي آنذاك السفير بول بريمر.
لنعد الى مناخ البلد في الاسابيع القلائل التي أعقبت انهيار النظام العراقي والمزاج العام الذي كان سائدا حينها، ونسائم الحرية التي هبت وتنفسها العراقيون للمرة الاولى منذ عقود، ووجوه البسطاء الذين زينت شفاههم الابتسامة التي غابت عنهم سنين طويلة متطلعين بتفاؤل ساذج الى مستقبل مشرق لا يشبه حلكة ماضيهم.
في هذه الأجواء، وبعد اسابيع قلائل من السقوط، وبالتحديد يوم 23 مايو (آيار)، أعلن بريمر عن حل الاجهزة الامنية العراقية، الجيش والشرطة والمخابرات والأمن الخاص والحرس الجمهوري، بالاضافة الى وزارتي الدفاع والاعلام. فهل كان هذا القرار حينها مستغربا أم منطقيا؟ هل كان يتوقع قرار من نوع آخر؟ كدعوة عناصر الامن وجهاز المخابرات والحرس الجمهوري إلى الالتحاق بعملهم وكأن شيئا لم يحصل؟ هل كان العراقيون يتوقعون من بريمر اعلان قرار مصالحة مع رجال النظام في ذلك الوقت، فيرضون بمصافحة قتلتهم؟ هل كانت غالبية العراقيين ستقبل بقرار كهذا بعدما رجحت الكفة لصالحهم وأنصفهم الزمن بعد ظلم طويل؟
لا أظن.
نعم، ربما كان ممكنا بعد عام او عامين عندما أخذ الجرح القديم يندمل ووجدت جروح أخرى طريقها إلى العراقيين الذين استفاق أغلبهم من وهم حلم الحرية البراق ليجدوا أنفسهم في قبضة كابوس مرعب.
ثمة سؤال آخر هو: لو ان بريمر قرر آنذاك دعوة هؤلاء الى الالتحاق بعملهم، هل كانوا سيستجيبون له؟ هل كانوا سيذهبون طواعية إلى القوات الاميركية لتسلم مهامهم من جديد؟
أيضا لا أظن ذلك، ولكن ربما باستثناء قلة من صغار الجنود وعناصر الأمن الذين خلت سجلاتهم من الجرائم.
ولنكن صادقين ونقر بأن قوات الأمن العراقية حلت نفسها بنفسها ولم تكن تنتظر قرارا ممهورا بختم بريمر، لأن الوقت آنذاك ما كان ليسمح بوجودها وعودتها مرة اخرى لتتسلط على رقاب الناس ثانية، وما كانت أوضاع البلد تسمح بذلك.
لنعد الى سوريا، التي يخشون عليها من "السيناريو العراقي" والفراغ الأمني. تخيلوا معي افتراضا أن نظام الاسد سقط اليوم وقامت سلطة جديدة في دمشق من الائتلاف السوري المعارض أو غيره. فما الذي يتوقعه السوريون من هذه السلطة بشأن عناصر قوات أمن النظام؟ أن تدعوهم الى الالتحاق بالعمل مجددا؟ ان تسلمهم مثلا مسؤولية حفظ أمن دمشق؟ وهل نتوقع ان يصافح أي سوري طيارا ألقى ببرميل متفجر على شارعه وقتل من قتل من عائلته او أقاربه او جيرانه، باسم المصالحة؟ وهل نتوقع من أي سوري، عذب في سجنه، ان يسامح في اليوم التالي لسقوط النظام سجانيه ويقول لهم "عفا الله عما سلف؟".
في تصوري ان هذا محض خيال وسيناريو مثالي لا يصلح في زمن الدماء هذا.
ومثل العراق، ثمة سؤال يطرح نفسه، هل سيعود عناصر الجيش والأمن والشرطة السورية لو طلب منهم ذلك؟ والسؤال الأهم هو: أي انهيار يريدون ان يجنبوا سوريا آثاره؟ ألم تكتو سوريا بالنيران بعد؟ ألم ينتشر الحريق ويحل الخراب في كل بيت؟ اليست سوريا الآن في انهيار؟ ألم ينهر الأمن والحرب تدور رحاها في كل مكان؟ اليس هناك قتل وتدمير وحصار ومجاعة؟ براميل متفجرة وموتى وذبح وتنظيم القاعدة ومقاتلون من شتى أنحاء المعمورة، ناهيك عن ملايين اللاجئين وملايين أخرى من النازحين والأرامل والأيتام.. والقائمة تطول.
ألا يكفي كل هذا؟ أليس هذا قمة الانهيار؟
السيناريو العراقي والسيناريو السوري أحدهما أسوأ من الآخر. والفرق بينهما ان كل ما جرى ويجري في العراق من عنف وقتل ودمار وصراع طائفي كان جراء الإطاحة بنظام صدام حسين، أما كل ما يحصل في سوريا الآن فهو جراء الفشل في الإطاحة بنظام بشار الأسد.
السيناريو السوري، الذي لم يكتمل بعد، لن يشبه في خاتمته السيناريو العراقي، مثل السيناريو الليبي الذي لا يشبه السيناريو المصري، واليمني الذي لا يشبه التونسي. لكل دولة معضلاتها ولكل دولة سيناريو خاص بها. وسيكون لسوريا سيناريو فريد لا يشبه سيناريوهات الآخرين.