محمد واني
كاتب من كردستان العراق
TT

أعياد ما أنزل الله بها من سلطان

صحيح أن التقدم العلمي والإعلامي الهائل والتطور الاجتماعي والثقافي الشامل الذي شهده العالم في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، قد غير حياة الإنسان رأسًا على عقب ووفر لها كل ما تريده وتتمناه، ولم يبق أمامها شيء اسمه المستحيل. كل ما يحتاجه يجده فورًا ودون أي عناء يذكر، تكفيه لمسة واحدة على زر «مصباح علاء الدين السحري» ليجد الشيء المطلوب أمامه فورًا؛ شبيك لبيك عبدك بين يديك!
ولكن عفريت التكنولوجيا المعاصرة الذي قدم للإنسان كل ما يحتاجه وما لم يحتجه بغمضة عين، لم يحمه من أمراض العصر، مثل السكري والضغط والكآبة والقلق والإحباط والشعور الشديد بالتعاسة، وأمراض أخرى نفسية وغير نفسية أصيب بها نتيجة سرعة إيقاع الحياة المعاصرة وتحولاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحادة والمفاجئة، وسيرها نحو التعقيد والتركيز الشديد، ولم يكن أمام الإنسان إلا أن يتكيف مع هذا الواقع المتقلب ويواكب تطوراته المتلاحقة التي قلصت المسافات واختصرت الزمن وحولت العالم إلى قرية صغيرة، وإن كانت على حساب أعصابه ونفسه وحياته الخاصة.
ورغم أن الإنسان أخذ الكثير من الحضارة المعاصرة، فإنه بالمقابل أعطى الكثير أيضا ضريبة ما أخذ، وواجه مشكلات وأزمات لا حصر لها جعلت حياته في خطر دائم، كثرت أزماته المالية والسياسية، وواجهته حروب ومعارك وكوارث لا حصر لها، رغم كل المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية المختلفة التي شكلها لحل تلك المشكلات والحفاظ على وجوده الذي بات مهددًا بالفناء في أي لحظة نتيجة التسابق النووي، وبلمسة بسيطة من زر صغير من حاكم مثل «هاري ترومان» كافية لإنهاء حياته على الأرض، رغم كل تلك الاحتياطات، فإن تلك الحقوق ما زالت تتعرض لانتهاكات خطيرة كل يوم على يده هو نفسه لا أحد آخر غيره.
استمرار الإنسان في حياة الدعة والرخاء والترهل التي وفرها له التقدم العلمي وتوغله أكثر في الحضارة «المادية»، زاد من معاناته النفسية وأصيب بنوع من الخواء النفسي الذي ولد بدوره شعورًا بالتشتت والكآبة والقلق، وكان عليه التخفيف من أعباء هذه الحالات النفسية المدمرة بأي ثمن، حتى ولو باللجوء إلى التضليل والخداع والتدليس عبر تخصيص أيام وابتكار مناسبات وأفراح وأعياد لا أول لها ولا آخر، كنوع من الترفيه المؤقت وتعمد النسيان وتخفيف الضغوط النفسية، فما عدا الأعياد والمناسبات الدينية والقومية التقليدية التي يحتفل بها الناس في أرجاء المعمورة، فإنه أحاط نفسه بأعياد أخرى وأيام تخصص للفرح وإقامة احتفالات وكرنفالات ومناسبات، مثل: عيد الأم، وعيد الأب، ويوم عالمي للرجل، وكذلك للمرأة، ويوم للحيوان، و... يوم عالمي للفقر، ويوم ليتامى الحروب، ويوم لمحو الأمية، ويوم للموسيقى، وآخر للرقص، وآخر للشباب، ويوم لحرية الصحافة، ويوم للتمييز العنصري، وعيد للحب والعشاق (فالانتين)، و.. أخيرًا وليس آخرًا يوم عالمي للبنطلونات! حيث ابتكرت "تقليعة" من قبل بعض النساء أقل ما يقال عنها إنها معيبة أو مجنونة انتشرت بسرعة البرق في أرجاء العالم المتقدم، واشنطن، وباريس، وشنغهاي، وطوكيو، وستوكهولم، وغيرها من المدن المتمدنة التي تعتبر هذا اليوم يومًا مجيدًا من أيامها المشهودة، ولكن مثل هذه الموضة لم ولن تنتشر في مجتمعاتنا، مع أننا تعودنا أن نقلد الغربيين.