محمد واني
كاتب من كردستان العراق
TT

أهمية «داعش» لنظام الأسد!

كان نظام بشار الأسد على شفا حفرة من السقوط المحقق لولا ظهور تنظيم داعش فجأة على الساحة السورية ووقوفه ضد الفصائل المعارضة الشرعية دون أي مبرر أو مسوغ مقنع، اللهم إلا من أجل تقديم الدعم للنظام المجرم ونجدته في آخر لحظة. الكل تضرر من وجود «داعش» إلا السلطة القمعية في دمشق، فقد جنت منه منافع سياسية لا تعد ولا تحصى، لدرجة أن الكثير من المراقبين رأوا أن النظام السوري هو الذي صنع واحتضن التنظيم الإرهابي بدعم وإسناد مباشر من حليفته إيران. وثمة دلائل كثيرة تشير إلى هذه الفرضية، منها «العلاقة التجارية النفطية المتنامية بينهما، ومواصلة قتال قوات (داعش) للفصائل العسكرية المعارضة التي تحارب النظام، وتركيزه على مهاجمة المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر» حصرًا. وتبقى أهم مصلحة جناها نظام الأسد من وجود «داعش» بالصورة الوحشية التي يظهر عليها دائمًا هي أنه استطاع أن يحول الرأي العام العالمي عنه «بعرض نفسه على أنه أهون الشرّين»، لكسب الودّ الدولي وكذلك للتغطية على جرائمه الوحشية.
على أي حال سواء كان «داعش» من صنع النظام والحلف الذي يدعمه لتنفيذ أجندتهما في المنطقة، أم أن العلاقة بينهما علاقة مصلحة متبادلة، فإنهما يلتقيان في نقطة واحدة وينطلقان من أرضية (إرهابية) واحدة. ولا شك أن تأثير هذا التنظيم على مسار السياسة الغربية تجاه سوريا كان كبيرًا، حيث استطاع أن يتصدر أولويات اهتمام الغربيين ويحول أنظارهم إليه ويصبح القضية رقم واحد في سوريا والمنطقة في النهاية، بعد أن كان النظام الأسدي - بممارساته الإجرامية الواسعة - يحتل اهتمام العالم أجمع ويعتبر القضية رقم واحد عالميًا.
والآن.. فإن الهدف الأساسي الذي يسعى إليه الغربيون وأميركا على وجه الخصوص هو محاربة تنظيم داعش، وتحشيد القوى العالمية بما في ذلك روسيا الحليفة الرئيسية لنظام الأسد والمدافعة القوية عن جرائمه لسنوات. وما تدخل روسيا السافر في سوريا أخيرًا، والسماح لطائراتها بشن عمليات عسكرية داخل سوريا، إلا طريقة لإظهار حسن نية الغربيين تجاهها، وخطوة عملية في طريق ضمها إلى جبهة القتال ضد «داعش». وقد نجح نظام بشار الأسد والحلف الإيراني - الروسي المساند له بشكل كبير في التسويق لفكرة أن تنظيم داعش هو العدو الحقيقي للمجتمع الدولي في المنطقة والمجرم الأول الذي يجب التصدي له، وليس هو، مع أن جرائم هذا النظام قد فاقت جرائم تلك المنظمات الإرهابية بجميع فصائلها في سوريا أضعافًا مضاعفة!
وقد استجاب الغربيون لهذه الفكرة وأحدثوا بعض التغيير في استراتيجيتهم السابقة، وعدوا تنظيم داعش العدو الأول في سوريا بعد أن كانوا يرون أن النظام هو أصل المشكلة السورية، ولولاه لما ظهر أي تنظيم إرهابي، على أمل انضمام روسيا وإيران إلى جبهة المواجهة للإرهاب، ووصل حماس الغربيين لضم هاتين الدولتين إلى التحالف الدولي أن دفعوا بوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى «الاستنجاد» بروسيا وإيران للعمل على «إقناع الأسد بالتفاوض من أجل انتقال سياسي»، قائلاً: «نحن مستعدون للتفاوض ولكن هل (الأسد) مستعد فعلاً للتفاوض الحقيقي؟ هل (روسيا) مستعدة لإحضاره إلى الطاولة والعثور فعلاً على حل لهذا العنف؟».
لا شك أن المتضرر الأول والأخير في كل هذه التطورات الاستراتيجية الغربية المفاجئة في سوريا هو الشعب السوري الذي تعرض لأكبر مؤامرة دولية شارك فيها الكثير من الدول، سواء الغربية أو روسيا أو إيران والميليشيات المسلحة التابعة لها في العراق ولبنان، من خلال خلط الأوراق وإثارة الفوضى والأزمات وإشعال الحروب في المنطقة.