ليونيد بيرشيدسكي
TT

أوكرانيا تواجه خطر تحولها إلى دولة فاشلة

كان الشيء الوحيد الذي صنعه الرئيس الروسي بوتين لزعزعة استقرار أوكرانيا هو الشيء ذاته الذي كان يطالب به الغرب، وهو الاستعانة بالانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا لوقف إطلاق النار. ومن دون استخدام غطاء الحرب المستهلك فإن الانقسامات الداخلية، إلى جانب الأساس العميق المختل بالنخبة السياسية الحاكمة في أوكرانيا، لم تستغرق كثير وقت للكشف عن نفسها. وبدلا من الأمل الديمقراطي الذي ساورها عقب «ثورة الكرامة» التي اندلعت العام الفائت، فإن أوكرانيا اليوم تبدو نظام حكم غير فعال وفاسد على غرار أنظمة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي البائد.
الحكومة الأوكرانية في حالة اضطراب: يواجه رئيس الوزراء آرسيني ياتسينيوك خطر الفصل من منصبه بمجرد أن يكون الأمر قانونيا في الشهر المقبل، مما يهدد بانهيار الائتلاف الحاكم الهش. فإذا ما انهار ذلك الائتلاف فستشهد البلاد إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وقد يشعر المواطنون الأوكرانيون المؤيدون لأوروبا بنوع من الارتياح جراء ذلك. يسيطر الشعبويون على السلطة التشريعية في البلاد، مما يجعل الأمر عسيرا للغاية إذا ما حاولت البلاد المضي في طريق الإصلاح. وعلى الرغم من محاولات التغيير من قبل الجيل الجديد من البيروقراطيين، فإن الاقتصاد الأوكراني لم يزل على حاله بلا إصلاح.
ومن القطاعات التي لم تشهد إصلاحا في الداخل الأوكراني النظام القضائي؛ ففي سبتمبر (أيلول)، صرح كريستوف هاينز، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى أوكرانيا لشؤون حالات الإعدام غير القضائية أو ذات الإجراءات القانونية الموجزة أو التعسفية، بأن الدولة تعيش في حالة من «الفراغ في المساءلة». وألقى باللائمة في ذلك على تقاعس السلطات الأوكرانية في التحقيق في مقتل أكثر من 100 شخص في شوارع العاصمة كييف خلال الأيام الأخيرة من الثورة.
وقال هاينز كذلك إن جهاز الأمن الأوكراني يبدو وكأنه فوق القانون. وبصرف النظر عن مداهمة عدد من الشركات التقنية في حملة تخويف ظاهرة خلال الأسابيع الماضية، ألقى جهاز الأمن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي القبض على غينادي كوربان، وهو الذراع اليمنى لرجل الأعمال الأوكراني الكبير إيغور كولوموسكي.
بعد عامين من فرار فريق الفاسدين التابع للرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش من أوكرانيا لا يزال الفساد متفشيا في البلاد.
وقد نشر سيرغي ليشينكو، أكثر الصحافيين الاستقصائيين شهرة في أوكرانيا، مقالا يوم الخميس في صحيفة «نوفوي فريميا»، يصف فيه الوضع السياسي الراهن في أوكرانيا: «إن نظام الضوابط والموازنات الذي بيع للأميركيين لا يعمل. وبدلا من مراقبة أعمال بعضهم بعضا، فإن الفرق التابعة لبوروشينكو وياتسينيوك قد أبرمت صفقة في ما بينها».
هناك وجود أميركي كبير في العملية السياسية الأوكرانية، حيث تعتبر السفارة الأميركية في كييف مركزا من مراكز السلطة، فيما يتحدث السياسيون الأوكرانيون عن التعيينات وقرارات الفصل التي يجري التحقق منها من قبل جيفري بيات السفير الأميركي لدى أوكرانيا. ويشارك الجانب الأوروبي كذلك في تشكيل أسلوب الحكم في أوكرانيا، ليس لمجرد أنه من المانحين ولكن بسبب أن رحلات السفر الحرة من دون تأشيرة إلى أوروبا هي أحد أهداف الرئيس بوروشينكو.
أصيب المجتمع المدني الأوكراني بالوهن الشديد جراء تلك المصالح الخاصة القوية. وأشكك في قدرته على دفع البلاد نحو مسار أكثر تحضرا في وجود الأدوات المعتادة من الانتخابات الديمقراطية، حيث أثبتت الانتخابات المحلية أن ممارسات العهد السوفياتي القديم من الاحتيال، والرشوة، والترهيب لم يتم القضاء عليها.
ما لم تتخذ النخبة السياسية الحالية، وبنفسها، منعطفا غير محتمل للأحداث الجارية، فإن التاريخ الأوكراني لن يكون مقدرا له أن يشهد نهاية قريبة لنظم الحكم العنيفة بحال من الأحوال.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»