علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

وردك على الخدين

كل حرف مبطّن بنغمة، وكل كلمة تحتضن جملة لحنية، وأنا أحب موسيقى الكلمات لأنها تدعم معانيها، ولكني عندما أستمع لجملة «مصر.. إلى أين» تشعرني موسيقاها الباردة بالانقباض، فموسيقى الجملة لا توحي بأن صاحبها يشك في أنها ستصل إلى بر الأمان، دعني أغني لك نفس السؤال بصياغة تدعو القلب للانشراح «وردك على الخدين.. حلو يا اللي ماشي.. آخرة طريقك فين.. حلو يا اللي ماشي».
من المستحيل أن أنسى حلاوة هذا الكائن المسمى مصر وأنا أتكلم عن الـ«أين» الذي يقصده أو يهدف إليه، ما يجب أن أنشغل به هو أن مصر حلوة وأنها يجب أن تظل حلوة. لسنا نبحر في سفينة يقودها ربان غريب، بل هو منا، بل هو نحن، يجب ألا نتساءل إلى أين نحن ذاهبون، بل أن نحدد على الفور، الخط الملاحي والمرفأ والموعد الذي يجب أن نصل فيه، وقبل أن أغرق في الكلمات، أقول لكم: لا أمل ولا حل إلا في الإيمان بقانون السوق، على خلفية دولة قوية. سلطة قوية واقتصاد سوق، أي حرية اقتصادية. وأذكركم بجملة هاملت: أنا أقسو لكي أكون أكثر رحمة. أعرف صعوبة المهمة، غير أن الفشل فيها يعني أن نتحول إلى شحاتين فقط. كما أعرف أن اقتصاد المعونات المخططة هو نظام دفاعي جمعي يستمتع به كل الناس في مصر، السارقون والمسروقون على حد سواء. ولا بد أن تأتي اللحظة التي نتوقف فيها عن هذا النوع من الاقتصاد وثيق الصلة بالبلادة والاحتيال، فأي إدارة لاقتصاد الدولة بغير الدفاع عن حق رأس المال في العمل، ليس أكثر من عملية احتيال.
على الدولة بكل مؤسساتها أن تعمل على حماية كل قرش لمصري أو أجنبي يدور في عمل على أرض هذا الوادي. لم أعد أطيق رؤية هؤلاء الأبطال الذين يشيعون في هذا المجتمع كراهية رجال الأعمال وتوجيه الاتهامات الدائمة لهم بأنهم لصوص ومصاصو دماء. المهمة صعبة ولكن ليس لها بديل. الكلمات الكبيرة لا تطعم الناس، والمشاريع إياها تفقرهم مع الوقت وباستمرار وثبات. وفي الخمسين سنة الماضية خسر الجنيه المصري أكثر من مائة في المائة من سعره.
بنظرة سريعة على القرن الماضي، نزداد اقتناعًا بأن انتصار الحلفاء على الفاشية والنظم القومية المستبدة في الحرب العالمية الثانية، لم يكن انتصارًا عسكريًا فقط بل كان انتصارًا لقيمها واحترامها لحقوق الإنسان، غير أننا في منطقتنا، كان عشقنا أكثر للأفكار القومية وليس لحقوق الإنسان الفرد. الغريب في الأمر، والطريف أيضًا، أنه حتى الملك فاروق، لم يكن مؤمنًا بسياسة الحلفاء وطريقة حياة الغرب، كان هو أيضًا من عشاق الرايخ الثالث والفاشية الإيطالية. أعترف بأنه كان من الطبيعي على المقاومين للاستعمار البريطاني أن يكونوا متعاطفين مع قوات المحور المهزومة، ولكني كنت أنتظر أن يحدث ذلك، بغير أن تهزم هي في معركة الحياة ذاتها. لقد أخفت عنا الشعارات القومية وغيرها، طوال الوقت، نمو الاتجاهات الغيبية العدمية، إلى أن حولت عددًا كبيرًا من الناس إلى قتلة متوحشين.

* تنشر {الشرق الاوسط} باقة من مقالات الكاتب الراحل