علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

الظاهرة المسرحية والخداع

كاميرا التلفزيون تنقل احتفالاً بأول إنتاج لمزرعة سمكية جديدة. كميات هائلة من أسماك البوري اللامع الجميل تخرج أمام عينيك من مياه المزرعة وهي «تتلعبط» من فرط حيويتها وطزاجتها. وتمر شهور ويفتح شخص ما ملف شخص آخر فنكتشف أن الأسماك التي شاهدتها سيادتك لا صلة لها بالمزرعة. لقد أحضرها تاجر سمك كبير باتفاق مع مسؤول صغير. مشهد آخر، تم الانتهاء من بناء مستشفى عصري، وتقرر أن يفتتحه مسؤول كبير، ولكن المستشفى ليس جدرانًا وعنابر وأجهزة طبية فقط، لا بد من أطباء وممرضين وممرضات وأيضًا مرضى. على الفور حدثت اتصالات بين المسؤولين فتقرر أن «يقترض» المستشفى الجديد عددًا من المرضى والأطباء والممرضين من بقية المستشفيات، وهذا ما حدث؛ افتتح المسؤول المستشفى، وأخذ يتمشى بين المرضى ويتبادل معهم أحاديث ودية. ثم غادر المستشفى، وبعد ساعة واحدة غادره أيضًا كل الممثلين الذين لعبوا الأدوار المطلوبة. هناك مشهد متكرر في هذا النوع من المسرحيات الصغيرة، وهو ظهور أشجار جميلة فجأة في الشارع المؤدي للمشروع الوهمي، ثم اختفاء هذه الأشجار فور انتهاء زيارة المسؤول.
هل هي نزعة مسرحية داخل بعض البشر المشتغلين بالعمل العام؟ نزعة مسرحية عجزت عن التجسد على خشبة المسرح فقررت أن تلعب أدوارًا بعيدًا عن خشبة المسرح وعن الكاميرا؟ الواقع أن هذه الظاهرة ليس لها صلة بالإبداع المسرحي من قريب أو بعيد. هي ليست أكثر من عملية نصب واحتيال تشكل جريمة تعاقب عليها كل قوانين الدنيا، وإن كنا لم نسمع عن أحد عُوقب لارتكابه جريمة من هذا النوع. ربما لأننا نعجب بحيل النصابين، ونعتبر جرائمهم داخلة في إطار الطرائف.
أي محاولة لتجميل الواقع بما ليس فيه جريمة أو عمل قبيح، باستخدام أخف الألفاظ. وعلى شبابنا في أجهزة الإعلام أن يكونوا على ثقة بأن بلادنا لا تريد منا أن نحبها بالكذب، بل بالحقائق. وبالمناسبة كل من يلجأ للخداع، لا يفعل ذلك لهدف سياسي أو آيديولوجي، بل لأنه شخص مخادع ضعيف عاجز عن التعامل مع الحقائق.
الوعي بالدور هو أهم ما نتعلمه في المسرح. فقد تلعب دور عطيل، الذي يقتل زوجته خنقًا بعد مؤامرة من ياجو أوحى له فيها بأنها خائنة، أنت تقترب الآن من البطلة وتقبض على رقبتها بأصابعك وتضغط بقوة، ولكنك لا تقتلها بالطبع لأنك على وعي بأنك ممثل وأنك تلعب دورًا.
أنت تلعب دورًا من أجلنا جميعًا، فلا تنسَ ذلك.