علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

العقارب والمنطق الصوري

تقول الحدوتة القديمة إن عقربًا قالت لضفدعة: أنا أريد الانتقال إلى الشط الآخر من هذا المجرى المائي، وأنا عاجزة عن السباحة كما تعرفين، فهل أطمع في كرمك بأن أركب على ظهرك وتسبحين بي إلى هناك؟
قالت الضفدعة: بصراحة.. أنا أخشى أن تلدغيني..
فقالت العقرب: ماذا؟ هل أنا مجنونة؟ إذا لدغتك فستموتين وأغرق أنا وأموت معك.
فكرت الضفدعة في أن منطق العقرب كان سليمًا تمامًا. من المستحيل أن تلحق بها ضررًا. فقالت لها: اتفضلي.. تعالي اركبي.
ركبت العقرب على ظهر الضفدعة التي أخذت تسبح في هدوء في اتجاه الشاطئ الآخر. وفي منتصف المجرى المائي بالضبط، لدغتها العقرب. صرخت الضفدعة من فرط الألم والصدمة وصاحت: يا مجنونة.. كلانا سيموت غرقًا.. لماذا فعلت ذلك؟
فأجابت العقرب: وهل نسيت أني عقرب؟
يا لعبقرية الجدود وهم يرسلون لنا من وراء الزمن هذه الحدوتة لكي نتعلم منها ألا نسمح للمنطق الصوري بخديعتنا. البشر لا يعملون طبقًا للمنطق؛ بل لطبائعهم وتركيباتهم النفسية. والشخصية السيكوباتية (ضد المجتمع) بارعة في استخدام المنطق الصوري لتقنعك بصحة موقفها وسلامة نيتها وذلك للوصول لهدفها وهو أن تلدغك.. أن تقضي عليك. ومن أشهر قوالب الكلام التي يستخدمها هذا الصنف من العقارب البشرية، أن يتساءل في براءة: وما مصلحتي في فعل ذلك؟
الواقع أن مصلحته النفسية تتحقق عند الإحساس بالشبع الناتج عن ارتكاب الشر. هو عندما يلدغك يشعر بلذة هائلة. أحد زعماء التطرف في مصر هاجر إلى أميركا واستقبل هناك بحفاوة من زملائه ومريديه. ثم قبضت عليه إدارة المباحث الأميركية ووجهت له تهمة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، فأنكر التهمة قائلاً: هل من المعقول أن أفعل ذلك بأميركا، البلد الذي آواني ورحب بي وأعطاني الإقامة؟
نعم معقول جدًا يا مولانا.. خصوصًا بعد إذاعة تسجيلات بصوته يحدد فيها الأماكن التي يجب أن تحدث فيها التفجيرات.
الإنسان العقرب بارع في تغليف أهدافه الحقيقية بمنطق صوري لا يمكن الشك فيه. ولذلك يجب ألا نكتفي بسماع كلمات البشر، بل يجب أن نعرف عنهم الطريقة التي يفكرون بها وماذا يريدون لأنفسهم ومجتمعاتهم وبلدهم.. ثم نضع ذلك كله في كفة وكلماتهم ذات المنطق الصوري في كفة أخرى. يجب ألا نسمح لهم بالركوب على ظهورنا ثم قتلنا في منتصف المسافة.