هناك مقولة شهيرة تردد في أدبيات الإدارة؛ وهي إذا كان المدير على وفاق دائم مع مرؤوسه، في مجمل القضايا، فليس هناك داعٍ لاستمرار أحدهما في بيئة العمل. هذه الفكرة تنطلق من أن الأصل في استقطاب البشر إلى العمل الجماعي، يعود إلى مقدرتهم على النظر إلى الأمور من زوايا مختلفة. ووضع بصمات جديدة ونوعية.
فإذا استمرت حالة التأييد الجارف من قبل المرؤوسين لمديرهم، فنحن ربما أمام حالة من النفاق، أو الخوف، أو الخلل في استقطاب مزيج منوع من العقول البشرية. ولذلك تفاخر الشركات بأنها «متعددة الجنسيات»، باعتبارها بيئة تضم نخبة من أطياف مجتمعية عديدة.
البعض يعين من أسميهم «التوائم الفكرية» التي تشبهه في كل شيء، بل ويفرح إن عثر على أحدهم فيوظفه فوراً. وما أكثر من وئدوا في أول مقابلة وظيفية، لأن المدير قد استشف من ردود مرؤوسه الشاب بأن لديه «اعتداداً برأيه» المغاير، أو ثقة بالنفس طاغية. فآثر المرشح الآخر الذي اتفق معه في كل شيء!
من التحديات التي نواجهها في منطقتنا العربية، توقع البعض أن يشبههم الآخرون في كل شيء! هناك من يبحث عن لهجته، أو فئته، أو عشيرته، أو طائفته، وينسى أن روعة البشر وقوتهم في اختلافهم، الفكري، والديني، والشكلي. وحتى تفاوت الهمم في ظاهره عذاب، لكن في باطنه الرحمة. فتدني همم أحدهم قد يدفعه لقبول مهمة أو وظيفة روتينية. ولو كانت همم البشر متقاربة، لتصارعوا على كل شيء.
تفاوت الاهتمامات، يدفع العقول إلى التركيز على مناحٍ حياتية عدة تكمل العمل الجماعي. ولذا فإن استقطاب توائم اهتماماتنا في كل قطاع يخلق نسخاً مكررة من شخصياتنا. ويدفع إلى تلاشي روح الإبداع تدريجياً.
ولذلك تلجأ بيئات العمل إلى عمل تدوير إداري مبكر للقادمين الجدد والقدامى في المؤسسات الكبرى، لكي يحتكوا بأناس مختلفين عنهم، ليروا كيف تسير الأمور، وكيف يتعامل القادمين من خلفيات مختلفة في بيئات العمل. ولهذا لا يُمدَح الفرد الذي مضى كل حياته في بيئة عمل واحدة، لأنه حرم من ذلك الاحتكاك ببيئات عمل متنوعة، تصقل الفرد، وتقويه، وتمنحه مناعة للعمل مع الجميع بكل أريحية.
ولا بد من الإشارة إلى أن قبول استقطاب المختلفين الأكفاء يتطلب سعة في الصدر، والتحلي بفضيلة قبول الاختلاف والنقد، ففي اختلافنا رحمة كما قيل.