طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

السعودية وتركيا... والجولة الأولى

استمع إلى المقالة

استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في جدة، حيث اختار الرئيس التركي السعودية محطته الأولى في أولى زياراته إلى المنطقة بعد إعادة انتخابه رئيساً لولاية ثالثة في مايو (أيار) الماضي.

وعنونت صحيفتنا هذه الزيارة بـ«جولة الاستثمار والاستقرار»، فهل ينعكس ذلك على الاقتصاد فقط؟ المفترض لا، وإن كانت هناك اليوم ملاحظة مهمة لا تخطيها العين، وهي أن اللغة في منطقتنا اختلفت بسبب المبادرات السعودية؛ حيث باتت لغة مصالح، وبناء جسور تواصل، وهذا يتطلب تقارباً سياسياً محكوماً بالمصالح، وليس الآيديولوجيا.

اليوم تأتي زيارة الرئيس التركي للسعودية وأنقرة قد طوت صفحة الخلافات الخليجية، وتحديداً مع السعودية والإمارات، وكذلك الخلافات التركية - المصرية، وبالتالي فإنه يترتب على ذلك الكثير من الجماعات وحتى الشركات.

هذا التقارب الذي تشدد عليه أنقرة الآن، بينما يقول الرئيس إردوغان إنه يريد أن تلعب الشركات التركية دوراً في بناء المشاريع الكبرى في السعودية، ووسط الحراك السعودي، وهو ماكنة 2030، يتطلب كما أسلفنا لغة مصالح، وليس لغة مجاملات.

ومن شأن ذلك أن ينعكس على كل المنطقة، فكما أن هناك جماعات مخربة تراقب هذه الزيارة التركية للسعودية، وهذا التقارب بين الرياض وأنقرة، وكذلك مع القاهرة، فإن هناك مستثمرين صغاراً وكباراً يراقبون هذا التقارب.

وبالنسبة إلى قطاع الأعمال، وحتى المستثمرين الصغار من ملاك العقار وخلافه، فإن تغليب لغة المصالح، والتعاون الاقتصادي بين السعودية وتركيا هو أهم من ملف الأزمة الأوكرانية مثلاً، أو حتى الموقف التركي أو السعودي من سوريا.

اليوم الجميع، وتحديداً في السعودية، يفكر اقتصادياً، ويلمح ما يحدث حول السعودية من منظور اقتصادي، وبلغة واضحة وبسيطة، فإن التفكير المفترض هو ما الذي قد أحققه من مكاسب، وبماذا سينعكس عليّ.

وهذا أمر جيد لأن السعوديين لا ينطلقون من مصالح آيديولوجية، ولا توسعية، وأنا هنا أتحدث عن المواطن والمستثمر، بينما القيادة السعودية، وبموجب 2030، ألزمت نفسها بمسار إصلاحي استثماري اقتصادي يتطلب بناء الجسور، ومع الجميع.

ولذلك فإن أهمية هذه الزيارة التركية للسعودية مختلفة هذه المرة، وليست كما سابقاتها، اليوم الرياض وأنقرة تعرفان بعضهما تمام المعرفة، وسبق أن تباينتا في كل الملفات، والآن العلاقة تعود إلى مسار مختلف.

وهذا المسار هو الاستثمار، وتغليب لغة المصالح، وهذا المطلوب في منطقتنا مع ضرورة الحذر من تجريب المجرب، وهذا الأمر يقال للجميع، فهذه المنطقة لا تملك ترف إضاعة الوقت، والاستثمار في ما جرى الاستثمار به من قبل.

والمقصود هنا بكل وضوح أن منطقتنا لا تملك ترف إعادة الاستثمار بالجماعات والتيارات، والركض خلف الشعارات، وعلى من يعتقد أن هذا حديث مبالغ به، النظر حوله بالمنطقة ليرى كمية الدول الفاشلة، أو التي على وشك الانهيار.

العلاقة السعودية - التركية مهمة، والأهم أن تبنى على لغة مصالح من شأنها ضبط إيقاع المتغيرات في منطقة أشبه بالرمال المتحركة؛ حيث إن نبتت الخلافات تنبت أحياناً من دون حتى مبررات واضحة.