هل سنصحو يوما لنجد أن علاقاتنا الانسانية قد اختفت وحلت محلها أخرى "افتراضية"؟ قد يبدو السؤال مكررا، بل ومتوقعا، خاصة إذا فكرنا بسيطرة الانترنت على حياتنا وتغلب وسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الاجتماعية العادية للملايين. الجديد في السؤال هنا هو تخيل مستقبل يبدو قريبا جدا بالقياس الى ما نعيشه هذه الأيام، ذلك المستقبل الذي نعجز فيه حتى عن العيش سويا أو التواصل مع أقرب الناس لنا على مستويات إنسانية عميقة. كل تلك الأفكار راودتني عقب حضوري فيلم "هي" (هير)، الذي يقدم نظرة أخرى لحياتنا مع التكنولوجيا، متخيلا أو مستشرفا واقعا جديدا يبدو غريبا ومخيفا في بعض الأحيان.
نعود لها، من هي تلك المرأة التي يتحدث عنها الفيلم؟ في الحقيقة هي ليست امرأة وليست إنسانا بالمعنى الطبيعي، ولكنها صوت نسائي فقط يصاحبنا أو يصاحب البطل خلال الفيلم. بطل الفيلم ثيودور يعمل "كاتب" رسائل في إحدى الشركات. كاتب رسائل بمعناها المستقبلي، فهو يملي على جهاز الكمبيوتر رسائل خاصة، عاطفية أو غاضبة أو حزينة، ولكنها رسائل بالنيابة عن أشخاص آخرين ليس لديهم الوقت أو الرغبة في كتابة خطابات شخصية. ثيودور يتولى تلك المهمة بالنيابة عنهم، ولإضفاء مسحة واقعية على الخطابات نرى الكمبيوتر ينفذها بخط اليد. العالم الذي يعيشه ثيودور أيضا منفصل عن الواقع، يفصل بينهما جهاز كمبيوتر هو عبارة عن قطعة الكترونية صغيرة تثبت في الأذن. نرى بطلنا يتحدث الى تلك القطعة طالبا منها مراجعة الايميل الخاص به أو قراءته وقراءة الأخبار وهكذا..
تدخل "هي" حياة ثيودور عندما تدخل الشركة تعديلات على أنظمة التشغيل فيها فيصبح لكل موظف نظامه الخاص به، يختار ثيودور لنظامه أن يكون بصوت أنثى يطلق عليها اسم سامنثا. وفي بقية الفيلم نرى تحول سامنثا من نظام تشغيل كمبيوتر لتصبح صديقة لثيودور، تتحدث معه لساعات ويصحبها معه في نزهاته، بل ويصحبها الى لقاء مع أحد الأصدقاء وزوجته، يقدمها لهم على أنها "حبيبته". المدهش أن سامنثا تتطور بشكل كبير، تصبح لديها مشاعر، تشعر بالحب والغيرة، ولكنها أيضا نظام تشغيل الكتروني، فمن الطبيعي أن تستخدم كل تلك التجارب للتوسع والتطور التقني. تختفي عن حياة ثيودور لساعات فنراه يجري متخبطا وكأنما فقد شخصا مهما في حياته، يمر بجانب أشخاص آخرين يتحدثون أيضا مع تلك القطع المثبته في آذانهم. ولكن سامنثا تعود له، تبدو مختلفة ولكنها لا تفصح، تقول فقط انها كانت تتواصل مع أنظمة تشغيل أخرى. وحتى لا نفسد النهاية على من يود مشاهدة الفيلم يمكننا التوقف عن سرد باقي الأحداث. ولكن المهم هو ملاحظة كيف انفصلت الشخصيات الرئيسة في الفيلم عن واقعها. أصبحت تجد الاهتمام والحب في عالم مختلف غير آدمي، وحين تعود للواقع ولو للحظات لا تعرف كيف تتعامل معه.
هل نحن بالفعل متجهون لهذا الوضع؟ أتمنى ألا يكون المستقبل بهذه القسوة!
8:7 دقيقه
TT
«هي».. ونحن!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة