مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

نجاح فيينا.. على حساب جنيف؟

أعلن الأسبوع الماضي عن نجاح دبلوماسي جديد لإيران، بعد توصل وزير خارجيتها محمد جواد ظريف مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا الى اتفاق اطار يمهد لاتفاق بعيد الأمد حول برنامج طهران النووي. جاء هذا الاتفاق بعد ثلاثة أيام من المفاوضات الحثيثة في فيينا برعاية مسؤولة الاتحاد الاوروبي للعلاقات الخارجية كاثرين أشتون - الدبلوماسية البريطانية التي تتمتع بعلاقات قوية بالولايات المتحدة وعلاقة ود مع الايرانيين خاصة بعد اجتماعات متتالية مع كبار مسؤوليها.
وتخويل اشتون للتفاوص بالاضافة الى علاقاتها الشخصية مع جميع الأطراف، جعلها تبرز كوسيط يحظى بدعم ينجح عملية التفاوض. وبينما يزداد الثناء على أشتون وقدرتها على سد الفجوة بين الايرانيين والغربيين للتوصل الى اتفاق جزئي يخفف من العقوبات الدولية على ايران مقابل الحد من نشاطها النووي، فأن الواقع هو ان مصالح تلك الدول اقتضت التوصل الى اتفاق مما جعل مهمة أشتون ممكنة.
والتقاط الصور لأشتون وظريف وهما مبتسمان في فيينا يعلنان عن "بداية جيدة" لعملية التفاوض، يأتي بعد أسبوع من مشهد مختلف كليا في مدينة أوروبية اخرى شهدت مفاوضات ايضا علق الكثيرون الأمل عليها. جولة مفاوضات أخرى تجري في أوروبا وتحدد مصير شعوب الشرق الأوسط. إذ كانت جنيف مقرا لأسبوع من النقاشات المفرغة بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة، بوساطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الابراهيمي، سعيا لمخرج دبلوماسي للأزمة السورية. وابتسامات ظريف والاعلان عن الالتزام بالدبلوماسية لم تمتد الى جنيف، إذ تعارض إيران علنا الجهود الدولية للحل السياسي في سوريا.
وعلى الرغم من ان معارضة ايران ليست هي السبب الوحيد لتعثر المفاوضات في جنيف، إلا انها عامل أساسي. وقد نجحت ايران، بمراوغتها وحنكتها، بإقناع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ان رفضها التعاون في الملف السوري يبقى أمرا منفصلا عن انفتاحها الدبلوماسي والاقتصادي في فيينا.
ومن اللافت، ان الاميركيين طرحوا قضية سوريا مع وزير الخارجية الايراني، ليرد ظريف انه "غير مخول" لبحث الملف السوري. وزير خارجية طهران غير معني بسوريا لأنها بالنسبة للإيرانيين ليست قضية خارجية، بل مرتبطة بالاستراتيجية الايرانية الداخلية والخارجية، والدول الكبرى واعية – ويبدو راضية – بذلك.
نجحت طهران بفصل الملف النووي ورفع العقوبات عن الملف الأكثر إلحاحا وهو الدمار الذي يعصف بسوريا ويهدد أمن المنطقة كلها.
حرص الدول الدائمة العضوية، وخاصة واشنطن، على إنجاح لقاء فيينا الأسبوع الماضي والإعداد لجولة جديدة من المفاوضات الشهر المقبل، جاء على حساب سوريا من جوانب عدة. حيث لم يكن هناك ضغط حقيقي على ايران لإلزامها بأية خطوات تدعم الحل السياسي في سوريا – حتى وان كان ذلك على الأقل تصريحات علنية حول ضرورة الحل السياسي في سوريا ودعم التفاوض من أجل إنقاذ مستقبلها. كما ان وكيلة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، التي ترأست الوفد الاميركي المفاوض مع الايرانيين في فيينا، مرت أولا بجنيف حيث كانت المفاوضات بين الوفدين السوريين، وبعد لقاء استمر ساعتين بين شيرمان ونظيرها الروسي غينادي غاتيلوف مع الإبراهيمي، خرج الطرفان من دون حل لدفع عملية التفاوض السورية الى الامام. ولكن واصلت شيرمان برنامجها العملي وانتقلت الى فيينا، حيث كانت المفاوضات التي تعتبرها واشنطن الأكثر إلحاحا للخروج بنتيجة ايجابية. وأكدت مصادر دبلوماسية اميركية حينها أن شيرمان لن تبحث الملف السوري مع الإيرانيين رغم لقاءاتها معهم لأكثر من 3 ايام في فيينا.
تعثر المفاوضات السورية وصعوبة التوصل الى حل سياسي أسبابهما كثيرة، لا يمكن إلقاء اللوم على طرف واحد. ولكن سلبية العامل الإيراني واللهفة الغربية على اتفاق حول البرنامج النووي كان له ثأثير على مسار جنيف، إذ كان نجاح فيينا الأهم دبلوماسيا مما خفف الضغوط على ايران وسمح لها بالتقدم في سعيها لفك عزلتها الدولية على الرغم من موقفها من الأزمة الأكثر دموية وخسارة في المنطقة.