مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

اللاجئون السوريون وفرص تعليم أولادهم

لا يزال عالمنا يضم بعض الأشخاص المثاليين - ومن هؤلاء فؤاد شيخ السنا، وهو مدرس ومفتش بوزارة التعليم سابقا في حلب بسوريا. ومع ذلك، فإن فؤاد لا يرى نفسه مثاليًا، مما يضعه في الفئة الأفضل بين الأشخاص المثاليين! وقد دفعتني قصته الفريدة من نوعها للتفكير على نحو مختلف في أزمة اللاجئين التي نبذل في العالم المتقدم أقصى جهودنا لتجاهلها.
عام 2012، فر فؤاد من حلب ليستقر بمدينة كيليس التركية الحدودية، والتي تبعد 55 ميلاً فقط عن حلب. وكان كثير من اللاجئين الآخرين من الأطفال - تمامًا مثلما هو الحال فيما يزيد على نصف 60 مليون مشرد بسبب الصراعات أو الاضطهاد. وساور فؤاد القلق من أنه حال شعورهم بالفراغ طيلة اليوم، قد يبدأ هؤلاء الأطفال في التشاحن مع الأطفال المحليين. وعليه، سعى للحصول على بعض الطاولات ووضعها في متنزه صغير بالمدينة، واستعان بعدد من المدرسين اللاجئين الفارين من حلب، وبذلك أسس مدرسة مفتوحة لـ1200 طفل لاجئ.
وفي حديث أجريته معه، قال فؤاد: «كنت أعتقد أننا قد نبقى هنا لمدة أربعة أشهر». ومع ذلك، فإنه بعد مرور أربع سنوات على اندلاع الحرب السورية، فإن ما يقدر بـ100 ألف سوري يعيشون الآن في كيليس، التي يقدر عدد سكانها بـ90 ألف نسمة.
وبالفعل، اكتسبت المدرسة المفتوحة شهرة واسعة. وقد أبدى جميع الآباء والأمهات رغبتهم في تعليم أطفالهم، بينما خارج معسكرات اللاجئين لا تتوافر في تركيا سوى القليل من المدارس العربية. رسميًا، يوجد في تركيا 1.8 مليون لاجئ، منهم قرابة 220 ألف شخص يعيشون في معسكرات لاجئين كاملة الخدمة، حيث يجري توفير الطعام لهم ورعاية صحية ومدارس. إلا أنه على الصعيد غير الرسمي، تستضيف تركيا أعدادًا أكبر بكثير - وتدور غالبية التقديرات حول 2.5 مليون شخص - لكن معظمهم يخشون من تسجيل أنفسهم. وعليه نجد أن 90 في المائة من اللاجئين يعيشون بين المواطنين العاديين.
وأعرب اللاجئون الذين التقيتهم خلال رحلة قمت بها مؤخرًا للحدود السورية - التركية عن امتنانهم حيال القرار التركي بقولهم ومنحهم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية. ومع ذلك، فإنه جرت معاملتهم كضيوف مؤقتين لا يحق لهم التقدم بطلب للجوء. حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم يكن بمقدور اللاجئين السوريين التسجيل للحصول على أوراق عمل، مما يعني أن أطفالهم لم يكن بمقدورهم ارتياد مدارس تركية، بينما لم يكن باستطاعة البالغين العمل سوى بصورة غير قانونية.
في هذا الصدد، قال فؤاد: «لا نود الاستقرار هنا، وإنما نرغب في العودة لوطننا، لكن حتى نتمكن من ذلك، فإننا بحاجة للعيش». والتساؤل هنا: ما هي فرص تمكن السوريين يومًا ما من بناء دولة ناجحة ومتسامحة لينشأ فيها أطفالهم، من دون تعليم؟
مع اقتراب الشتاء، بدأت السلطات المحلية في كيليس تبدي تعاطفها، فعندما توجه لهم فؤاد بطلب للحصول على مبنى من أجل مدرسته، وفروا له واحدًا بالفعل. وبحلول العام الماضي، كان يرتاد المدرسة 2100 طفل موزعين على ثلاث نوبات يوميًا. وقد اضطر فؤاد لرفض 6 آلاف طفل آخرين. أما اللغة الجاري استخدامها في المدرسة فهي العربية، والكتب المدرسية هي نسخ من الكتب التي اعتاد الاعتماد عليها في حلب.
ولدى سؤاله عن المناهج الدراسية ومزيج الأديان بين الطلاب الملتحقين بالمدرسة، أجاب فؤاد: «لا توجد سياسة هنا». وأضاف أن هناك أطفالا من مناطق علوية، وآخرين من مناطق سنية. وقال: «لا نسأل عن الديانة، لأننا لا نرغب في نشر الكراهية».
ويعد هذا أيضا من أسباب تمسكه بكتب المنهج القديم، وذلك لرغبته في الالتزام بنفس المعايير التي سادت قبل الحرب. كما أنه يقبل تبرعات فقط من منظمات خيرية تركية لا تفرض شروطًا بخصوص ما يجري تدريسه. وقال إن المدرسة لديها ما يكفي من مال كي تعطي راتبًا شهريًا يبلغ 500 ليرة تركية للمدرسين. ويعادل هذا المبلغ نحو 190 دولارًا - وهو مبلغ لا يكفي للعيش. وقد طلب فؤاد العون من منظمة «يونيسيف»، لكنهم أجابوا بأنهم يعملون داخل معسكرات اللاجئين فقط.
في أكتوبر الماضي، غيرت تركيا سياساتها القائمة على التظاهر بأن السوريين سيعودون لوطنهم في أية لحظة. والآن، أصبح باستطاعة الأطفال السوريين ارتياد مدراس تركية. ومنذ ذلك الحين، فتحت 10 مدارس عربية أبوابها في كيليس. وتعمل الآن مدرسة فؤاد بصورة أفضل، حيث انخفضت نوباتها إلى اثنتين فقط، بينما يصل عدد طلابها إلى 1300 طفل، بينما يضطلع لاجئون ومنظمات خيرية بسداد مصاريف المدرسين والنفقات الأخرى. وكما هو متوقع، يفرض هذا العدد الضخم من اللاجئين عبئًا ماديًا هائلاً عل عاتق تركيا: جرى تقديره بـ5.5 مليار دولار بحلول أبريل (نيسان)، تبعًا لما أعلنته الحكومة. وقد شكت أنقرة من أن باقي العالم لم يسهم سوى بـ3.6 مليون دولار فقط. في الوقت ذاته، تتفاقم مشاعر السخط بين المواطنين الأتراك الذين يعتقدون أن اللاجئين السوريين تسببوا في ارتفاع أسعار الإيجارات وانخفاض الأجور.
أما أكثر ما يثير قلق فؤاد، فهو ما سيحدث لطلابه عندما يتخرجون. وقال إن ليبيا (من بين جميع الدول الأخرى) ستبدأ هذا العام في تأهيل أطفال اللاجئين السوريين في تركيا كي يتمكنوا من الالتحاق بمستوى التعليم الأعلى.
وقال فؤاد: «إن أعدادنا ضخمة على نحو يصعب على تركيا وحدها التعامل معه، لذا أعتقد أن الحل الأفضل هو استضافة أوروبا لبعض هؤلاء اللاجئين». وأعرب فؤاد عن حيرته حيال السبب وراء عدم القيام بذلك حتى الآن، ولماذا يضطر السوريون للمخاطرة بأرواحهم ودفع أموال لعصابات إجرامية كي يتمكنوا من دخول دول أوروبية بصورة غير قانونية والتقدم بطلبات للجوء.
وأضاف: «ينبغي أن تتوافر فيزات لشبابنا الراغبين في إتمام دراستهم. حينئذ، سيصبح باستطاعتهم العودة لسوريا عندما تصبح آمنة مجددًا وإعادة بنائها. وسيحملون معهم فكرًا ومؤهلات وثقافة وأفكارا أوروبية». وأوضح أنهم سيحملون معهم تفهمًا حقيقيًا للديمقراطية.
في المقابل، أوضح مات تريفيتيك، أميركي يعمل ببرامج الإغاثة في العراق وأفغانستان، أن خطط إرسال طلاب لجامعات غربية على أمل عودتهم وإحداثهم تحولاً في أوطانهم، لم تحقق النتائج المرجوة، مشيرًا إلى أنهم لا يعودون. يذكر أن تريفيتيك يعمل حاليًا مديرًا لشؤون الأبحاث لدى «منظمة الأبحاث والتقييم السورية» في عنتاب، أقرب المدن الكبرى لكيليس. ويعكف تريفيتيك على جمع بيانات من داخل سوريا لصالح منظمات الإغاثة العاملة هناك، بحيث تتمكن من تصميم ومراقبة برامج.
إن الدول بطبيعتها ليست مثالية - خاصة الدول الأوروبية في ظل المناخ المعادي للهجرية السائد بها حاليًا. ومع ذلك، فإنه حتى الأنانية تشير لضرورة العمل على توفير المال للمنظمات الخيرية كي تدفع للمدرسين السوريين مالاً يكفي للعيش، وتمد تركيا ولبنان والأردن ودولاً أخرى على استضافة الأعداد الضخمة للغاية من اللاجئين بما يلزم لبناء مدارس. حينها، قد لا يرى السوريون أن السبيل الوحيد للنجاة الوصول لأوروبا. كما أن هذا قد يقلل إمكانية وقوعهم تحت تأثير الراديكاليين، ويحد من سخطهم حيال غرب يتجاهلهم.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»