في 9 يناير (كانون الثاني) الحالي، ألقى رئيس الجمهورية اللبنانية الرابع عشر، العماد جوزيف عون، خطاب القَسَم في قاعة المجلس النيابي بعد أن انتُخب في دورة ثانية من قِبل النواب بأكثرية 99 صوتاً.
في خطاب موجز وشامل وصلب، معتمداً أسلوباً مباشراً وواضحاً، تطرّق الرئيس عون إلى عناوين كثيرة أساسية مهمة حملت إيجابيات لافتة، منها سياسية، وعسكرية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية، وقضائية، ومالية، وبنيوية تحتية، وتربوية، وصحية، ومصرفية، وتبييض أموال، ومكافحة مخدرات، وحصر السلاح بيد الدولة... ووعد عون اللبنانيين بمعالجتها، ممثِّلاً فيه خريطة طريق لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان للوصول إلى نهضة لبنان الجديد. في ظل تحديات كبيرة، وبدعم عربي ودولي، تسلم العماد جوزيف عون منصب رئيس الجمهورية، وتعهّد بوعود جدّية كثيرة.
بنهجٍ بدا شهابياً، تعهّد الرئيس عون بإنعاش الاقتصاد بتصدير أفضل المنتجات والصناعات، وخلق فرص عمل، ومنع الاحتكار وتعزيز المنافسة، ومنع الهدر، وتفعيل أجهزة الرقابة، وتحسين التخطيط، وإدارة الدَين العام، وإعداد الموازنة... وذكّر بأنه لا قيمة لإدارة عامة لا تقدّم خدمات نوعية للمواطنين بأفضل الأسعار. ووعد بالعمل على استقطاب الطلاب والمستثمرين العرب، وبناء اقتصادات متكاملة متعاونة، والتمسك بالاقتصاد الحر والملكية الفردية، وباقتصاد تنظَّم فيه المصارف تحت سقف الحوكمة والشفافية وحكم القانون. كما أنه وعد بحماية أموال المودعين... وغيرها من العناوين الأساسية، في مقدمتها الانفتاح على الشرق والغرب وقيام التحالفات.
مرّ لبنان سابقاً بطفرة اقتصادية لا مثيل لها، خصوصاً في قطاعات البناء، والبنوك، والسياحة، وإنشاء الشركات المساهمة، والسرية المصرفية. الرئيس كميل شمعون؛ رجل الدولة والقرار، عرف كيف يلتقط الفرص السانحة، وكيف ينسج علاقات خارجية ناجحة أمّنت للبنان تدفّق الرساميل الخارجية إلى المصارف اللبنانية، التي وفّرت البيئة الآمنة لها، والاستثمارات والسلع الاستهلاكية ذات المنشأ الأوروبي، فأصبح لبنان مقصد الشرق والغرب، فكان مصرفَ الشرق، ومستشفى الشرق، ودارَ نشره، وملجأه الآمن.
في عهد شمعون، انطلقت صناعات متطورة، وتوسع قطاع الخدمات، وبات النقد الوطني ذا قيمة وثقة. وفي عام 1952 صدر المرسوم رقم «7393» الذي ألقى بقايا القيود من على العملات الأجنبية، فأصبحت كل عمليات القطع من لبنان وإليه حرّةً من أي قيد، فشكلت حجر الزاوية في نظام لبنان الاقتصادي الليبرالي المنفتح، وفي نظامه النقدي الذي استمر متيناً. كما عرف المستوى المعيشي نمواً وَضَع اللبنانيين بين الشعوب الأعلى دخلاً في العالم بعد أن بات النقد الوطني ذا قيمة وثقة في عصر ذهبي لم يشهده لبنان إلا في عهد الرئيس شمعون.
في خطاب القسم قارب الرئيس جوزيف عون عهدَه المقبل عهدَ الرئيس فؤاد شهاب لجهة تفعيل إدارات الدولة ومؤسساتها والبنود الإصلاحية والاقتصادية والإدارية، وقوامه حكم القانون وحوكمة تحفظ الحقوق وتضمن المحاسبة.
مرحلة الرئيس اللواء فؤاد شهاب (1958 - 1964) كانت مرحلة استثنائية في تاريخ لبنان الحديث، عمد فيها إلى إنشاء المؤسسات؛ أهمها الرقابية (ديوان المحاسبة، والتفتيش المركزي، ومجلس الخدمة المدنية)، فكان رجل المؤسسات الذي عمد إلى تصويب الإدارة العامة وازدهار الاقتصاد، فاستقدم بعثة «إيرفد» لتقييم الواقع الاقتصادي في لبنان، ووضع الخطط للنهوض.
نتمنى أن يكون عهد الرئيس جوزيف عون عهداً ميموناً ينعم فيه اللبنانيون بعصر ذهبي آخر، وسيعود لبنان «سويسرا الشرق» ثانيةً ومنارة الشرق والغرب.
مرحلة الرئيس فؤاد شهاب، الذي أتى من عمق المؤسسة العسكرية، تميّزت خلال أزمة 1958 بالوقوف في صف الشرعية، وعدم الزجّ بالجيش في الاقتتال بين فئتين وازنتَين من اللبنانيين، واستطاع انتزاع فتيل أزمة عام 1958.
أدار الرئيس الآتي من خلفيّة عسكرية الساحة السياسية بدبلوماسيةٍ تقرّب لا تفرّق. وانطلق في التنمية الشاملة للاقتصاد اللبناني على مختلف المستويات ودون تمييز، فتحقّق أعظم الإنجازات والمشروعات في شتّى المجالات المؤسساتية والقانونية والإدارية والإنمائية والتربوية.
كانت لدى الرئيس شهاب نظرة اقتصادية كليّة، شملت الزراعة، والصناعة، والسياحة، والتبادل التجاري، والتعامل المصرفي... عهد ارتفع فيه الناتج القومي أضعاف ما كان عليه في معظم العهود التي سبقت، وشجّع التوظيف على أساس الكفاءة والاختصاص، وعمل على إرساء العدالة الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية المناطقية، وإنشاء البنى التحتية، وتوحيد السوق الداخلية، وتوسيع شبكة المواصلات، وبناء المستشفيات والمستوصفات... وغيرها من الإصلاحات والمشروعات الكثير الكثير مما يمكن أن يقال عن الرئيس اللواء فؤاد شهاب الذي أضحى مدرسةً ونهجاً شهابياً يُحتذى.
في ظلّ تحديات كبيرة وكثيرة، نرجو للرئيس العماد جوزيف عون أن يمضي في تحقيق وعوده التي تعهّد بها، مع وجود طبقة سياسية مشاكسة، وجو من الفساد المستشري والمحسوبيات.