حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

تجفيف منابع الإرهاب الغربي

الحقائق على الأرض تقول إن موجة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي في انحسار واضح، وإن موجة الإرهاب الغربي في مدٍّ جليٍّ لا تخطئه العين. إن الإرهاب الذي تتبناه مجموعات إسلامية جعلت من العنف والتغيير باليد الحاملة للكلاشنيكوف والقنبلة طريقاً وحيداً للتغيير واجه ويواجه، خصوصاً في عدد من الدول العربية، حملة استئصال قوية لاجتثاثه جسداً وتنظيماً وفكراً... هذه الحملة العنيفة ضد الإرهاب المنتمي للإسلام قامت على تتبع روافده وجيوبه المالية وقنواته الإعلامية والتربوية والتعليمية والسياسية وخلاياه السرية وجمعياته العلنية ومؤسساته في داخل العالم العربي والإسلامي وخارجه، وتنزع في حملة الاستئصال هذه إلى شراكات واتفاقيات أمنية واستخباراتية دولية دقيقة وحاسمة، مما جعل الإرهاب ورافده التشدد في عدد من الدول العربية والإسلامية يُصاب في مقتل وفي دول أخرى يُنهك ويترنح، ولقد تنفس العالم العربي الصعداء بعد أن قضى على دولتهم الداعشية والقاعدية، ومنذ هذين الحدثين اللافتين والإرهاب والإرهابيون ومعهم المتشددون، وهم في كل سنة يُرذلون، فتفرغت دولهم للتنمية بدل الانشغال بحربهم ومطاردتهم.
والآن جاء الدور على الدول الغربية لتلتفت إلى «الإرهاب الغربي»، وهذا وصف حصريٌّ أطلقه الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي وجعله عنواناً لكتابه ذائع الصيت. يجب على الغرب أن يتنبه لخطر إرهابه «الأبيض» في عقر داره الذي ينمو نمواً متوحشاً ويتمدد كالسرطان في أحشاء الدول الغربية ومن سار في فلكها في المشرق كأستراليا ونيوزلندا، خصوصاً أن منظومات اليمين الغربي بشقيه الإرهابي والمتشدد حوَّر أسلوبه وتكتيكه من استهداف المهاجرين والأعراق «الملونة» في هجماته الإرهابية إلى استهداف المؤسسات الحكومية والتشريعية والقضائية، وقد دق ناقوس خطر الإرهاب «الغربي» الداهم الحدثان الأشهران؛ أحدهما في أوروبا، وهي المحاولة «الانقلابية» في ألمانيا، والآخر المحاولة الانقلابية الخطرة التي نظّمها المتعاطفون اليمينيون المتطرفون مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في الولايات المتحدة للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية التي حرمت رئيسهم.
ولأن الإرهاب الغربي أشد خطراً وتهديداً للسلم الغربي والعالمي من نظيره الإرهابي في الدول العربية والإسلامية لأن زيادة نفوذه يعني قرب سيطرتهم على الترسانات النووية والأسلحة الفتاكة ذات التقنية الرهيبة، فأصبح لزاماً على الدول الغربية، حكوماتٍ ومؤسساتٍ مدنية وأكاديمية وفكرية، أن تلتفت إلى شعلة الإرهاب اليميني المتشدد التي عَلَقت بثيابها، فتعمد إلى تجفيف منابع الإرهاب الغربي والتشدد اليميني الذي صار شعارهم كشعار (داعش) «باقٍ ويتمدد»... عليها، كما كانت تعظ العالم العربي والإسلامي، أن تجفف مصادر التأثير في الإرهاب الغربي فتعتقل قياداته ورموزه وتحاكمهم، كما تبحث عن منابعه المالية فتجمّد أرصدتها وتصادرها، وأن تقتحم معسكرات التدريب العسكري والتأهيل الفكري وغسل الأدمغة فتوقف نشاطاتها المحمومة، وترصد نشاطاتها في الإعلام التقليدي وفي «السوشيال ميديا» فتضيّق عليهم. كما أن عليها أن تسنّ قوانين وأنظمة تستهدف إيقاف هذا السرطان الخطر، وكفى الأحزاب السياسية الغربية «المعتدلة» انخداعاً بأحزاب اليمين المتشدد المغذية للإرهاب الغربي الخطر والتحالف معها، وأخيراً بات الغرب يصدق أن الإرهاب والتشدد لا دين لهما ولا عرق ولا جغرافيا.