أحمد شوبير
TT

المونديال... الورد والشوك

انطلق «أسد الأطلسي» يشق طريق التأهل بكل قوة وجدارة، يصحبه عنفوان جماهيري عاشق لا يهدأ، ومنظومة عمل تدرك أهمية العمل والتخطيط بعيداً عن العشوائية وفلسفة «الفهلوية»... فكان المنتخب الوحيد الذي نجح في التأهل لدور الستة عشر وسط أفضل منتخبات العالم، وبأداء ونتائج تعكس مدى الإصرار والعزيمة لدى أبناء المغرب لتحقيق آمال وطموحات جماهيرهم.
مع اعترافي الكامل بأن المغرب يملك القدرة على أداء أفضل ونتائج أقوى ننتظر تحقيقها في قادم المواعيد، خصوصاً أن شوط «كندا» الثاني كان مخيفاً ومهدداً لكتيبة الركراكي، لكن الأهم أن المغرب تأهل بكل استحقاق، بل بأرقام قياسية عالمية، ويكفي أن كرواتيا وصيف له بالمجموعة.
ظاهرة المنتخب المغربي تعكس أموراً مهمة للغاية، لعل أبرزها نسف قضية المدرب الخواجة، وكأنه وحده القادر على تحقيق المعجزات - رغم عدم اعتراضي عليه شرط أن يكون جاء للتطوير وإحداث الفارق - في حين أن المغربي وليد الركراكي يقود منتخب بلاده الآن بكل تميز.
ثانيها، التركيز ثم التركيز فيما هو قادم من منافسات أياً كان ما سبقها من مباريات... وغلق الصفحات القديمة أول ضمانات النجاح لسطور الصفحات الجديدة... والفوز في مباراة لا يجب أن يكون قمة الأمل في سباق يحتاج فعلاً إلى النفس الطويل.
ثالثها وأهمها، حجم المصروفات وميزانيات الإنفاق على صناعة كرة القدم... فالمغرب ليس من بين أكثر الدول إنفاقاً من الناحية المالية، سواء على المستوى العربي أو الأفريقي، وبالطبع العالمي... لكنهم يجيدون ترتيب أوراق العمل وملفات الأولويات... لهذا لم يكن غريباً أن يقدموا هذه المستوى الكبير الذي دفعنا إلى الطمع المشروع جداً في مستويات أفضل وقفزات أكبر.
على النقيض من المغرب، كان الثلاثي العربي الآخر في «مونديال قطر 2022»... فالبلد المنظم خرج منتخبه خاوي الوفاض وإن التمسنا للاعبيه بعض العذر لقلة الخبرة، إلا أن حجم الإنفاق والاهتمام والإعداد لهذا الجيل كان يجب أن يصل به إلى إنتاج أفضل بكثير... على الأقل الظهور بشكل أفضل حتى في حال الهزيمة، في حين كان الواقع غير ذلك تماماً... غاب الحماس وغابت الحمية، وجاءت الهزائم الثلاث بشكل مخيب لكل الآمال.
«نسور قرطاج» راحوا ضحية الصراعات... جبهات في حالة انعقاد وانتقاد دائم للجهاز الفني واللاعبين حتى قبل أول مباراة... وبعد أول تعثر كانت السيوف مسنونة، واتهامات للاعبين بدفع رشاوى لمسؤولين في الاتحاد، ومجاملات في العناصر المنتقاة لتشكيلات المونديال، وعدم قناعة جماهيرية بالمدرب... وحتى على المستوى الفني تخبط في التشكيل في كل مباراة... وعدم ثبات منظومة الفكر والعمل... فكان طبيعياً أن يودع «النسور» المونديال، رغم أنهم يملكون كل مقومات التأهل، بدليل فوزهم في آخر مباراة على بطل العالم... لكنهم خرجوا من لحظة التهاون في مباراة أستراليا... فالفرص الثمينة لا تتكرر في المنافسات الكبيرة... اتهامات كلها باطلة ولا تمت للواقع بأي صلة، لكنها نالت من تركيز معسكر منتخب تونس... وعذراً إذا حاولت إقناعي بالعكس، وليس أدل على كلامي من نشر مهاجم المنتخب التونسي سيف الجزيري «تويتة» يتوعد فيها صاحب هذه الاتهامات بتعقبه قضائياً وقانونياً... هذا حقه الكامل، لكن التوقيت لم يكن مناسباً عزيزي... والتوقيت في كل شيء فن سيدي!
منتخب السعودية كان أبرز المنتخبات العربية المشاركة في المونديال، ورفع سقف طموحات العربي في كل مكان بالعالم لما بعد الدور الثاني بكثير... فمنا من رأى في منامه أن السعودية طرف في النهائي في العرض التاريخي لـ«الخضر» أمام الأرجنتين، والفوز الكبير الذي لن ينساه التاريخ... لكن يبدو أنها كانت فعلاً أحلاماً... تاه الصقور في سماء الاحتفالات المبالغ فيها... عاشوا نشوة الفوز وكأن البطولة انتهت رغم أنها لم تكن قد بدأت بعد... أغرقوا في تفاصيل الحلم الجميل... ونسوا - أو تناسوا - أن بجوار كل حلم كابوساً يتربص للإجهاز عليه... وهو ما حدث بالفعل على أرض الواقع... فوز وحيد على كتيبة ميسي... وهو لا شك فوز عظيم، لكنه كان يحتاج حماية... ثم ظهور مهزوز أمام بولندا، ثم تسرب حلم كبير أمام المكسيك في مشوار كانت أبواب التاريخ قد فتحت ذراعيها فيه للعرب عبر تأشيرة السعودية لتسجيل تاريخ مونديالي غير مسبوق... لكنه الفكر العربي... آفتنا جميعاً... النشوة التي تقضي على الفكر والتفكير والتخطيط... والحلم الذي يتعمد الابتعاد بنا دائماً عن الواقع الذي لو ركزنا معه مرة سننتصر وننجح في كل مرة... لأننا أفضل، لكننا دائماً نتسرع.
الخلاصة تنتهي بنا حتماً إلى منتخب مصر... مصر؟ نعم مصر... أعلم أنك الآن تتساءل: وما دخل مصر بالمونديال؟ وفوراً أرد عليك بسؤال: وهل من المنطقي أن تغيب مصر عن المونديال؟ ردك وصل إليّ قبل أن تنطق به شفتك... فقلبك قبل قلبي ينفطر على غياب مصر واختزال تاريخها المونديالي في ثلاث مشاركات فقط، انتهت جميعها مع الدور الأول رغم عظمة نسخة 90... لكن مصر بكل إمكاناتها البشرية الهائلة لا يمكن أن يكون منطقياً معها غياب دائم عن المونديال... وحتى على المستوى المادي والإنفاق والميزانيات... مصر تتقدم السباق القاري وتنافس بقوة على المستوى العربي... وهنا نسأل: لماذا تتميز السنغال مثلاً؟ ولماذا تقفز وتكتب تاريخاً مونديالياً مشرفاً، ونحن نتفوق عليها بشرياً ومادياً؟ القصة فكر... تخطيط... إدارات مخلصة... ترتيب أوراق... لوائح وقوانين صارمة... ثواب وعقاب... رجل مناسب في المكان المناسب... معادلات بسيطة جداً نحولها نحن أحياناً إلى معقدة جداً دون أي مبرر.
يا عرب... بعد نجاح «مونديال العرب»... كلنا في انتظار نجاح العرب!