د. محمد علي السقاف
كاتب يمنى خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية حاصل على دكتوراه الدولة في القانون عن منظمة «الأوابك» العربية من السوربون ماجستير في القانون العام ماجستير في العلوم السياسية من جامعتي باريس 1-2. له دراسات عدة في الدوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية - الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

تسونامي الجمهوريين في النصفية... هل تم احتواؤه؟

أظهرت نتائج الانتخابات النصفية لمجلس النواب ومجلس الشيوخ للكونغرس الأميركي التي أُجريت يوم الثلاثاء الماضي 8 نوفمبر (تشرين الثاني) نكسة لتقديرات استطلاعات الرأي وتصريحات القيادات السياسية للحزب الجمهوري، بحدوث تسونامي كاسح لصالح الجمهوريين.
فقد كذّبت النتائج تلك الادعاءات، وبشكل أدق استطاع الحزب الديمقراطي احتواء المد الجمهوري لعدة أسباب كما سنراها لاحقاً.
كما أن نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة جاءت مختلفة عمّا كان يعد نوعاً من العرف أو حتى القاعدة بأنه قلَّما ينتصر حزب الرئيس الحاكم سواء كان الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري. وها نحن في ظل حكم الرئيس بايدن الديمقراطي يكسر نسبياً تلك القاعدة وإن لم يلغِها بشكل مطلق. الاستثناء لهذه القاعدة أو العرف منذ الحرب الأهلية حدث فقط ثلاث مرات في السنوات 2002 و1998 و1934.
وجاء أغلب التقديرات والتحليلات لتأكيد أن الأزمة الاقتصادية بسبب ارتفاع نسبة التضخم بشكل غير مسبوق منذ عقود، وأزمة أسعار الوقود للمستهلك الأميركي، من العناصر التي تحدد تصويت الناخب البسيط أكثر من اهتمامه بموضوع الإجهاض الذي ركز عليه أكثر الحزب الديمقراطي في حملته الانتخابية، بينما تبنى الحزب الجمهوري عكس ذلك لأنه كحزب محافظ هو الذي عبْر عدد من القضاة الذين تم تعيينهم في المحكمة الدستورية العليا في عهد الرئيس السابق ترمب كانوا وراء ذلك القرار الذي حظَر فيدرالياً الإجهاض.
أشارت أرقام نتائج الانتخابات النصفية التي نُشرت حتى تاريخ 11 نوفمبر ما يلي: لمجلس النواب الذي يتم تجديده بكامل أعضائه، حصل الحزب الجمهوري على 211 مقعداً، بينما كان عدد مقاعده 213 مقعداً في عام 2020.
وحصل الحزب الديمقراطي على 203 مقاعد في حين كان عدد مقاعده 222 مقعداً في عام 2020، والأغلبية المطلوبة في المجلس هي 218 مقعداً، لم تتحقق بعد للجمهوريين.
وتُظهر تلك الأرقام أن الحزب الجمهوري كسب مقاعد أكثر من الحزب الديمقراطي من دون أن يكتسب الأغلبية المطلقة في المجلس، ولم تمثل بالنسبة للديمقراطي خسارة فادحة كما تم الترويج لذلك في البداية.
وعلى مستوى مجلس الشيوخ تمكن الحزب الديمقراطي من حصوله على الأغلبية نتيجة الفوز الأخير الذي حصل عليه في ولاية نيفادا بإعادة انتخاب مرشحته السيناتورة كاترين كورتيز ماستو على المرشح المدعوم من الرئيس السابق دونالد ترمب... وبإعادة انتخابها، يرتفع عدد الديمقراطيين المنتخبين في مجلس الشيوخ إلى 50 من أصل 100 مقعد، ما يسمح لحزب بايدن بالسيطرة على هذا المجلس باعتبار أن الصوت المرجح وفق الدستور يعود إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس.
وبإمكان الديمقراطيين تعزيز سيطرتهم علي مجلس الشيوخ في حال فوز مرشحهم بمقعد ولاية جورجيا، حيث ستنظم جولة ثانية في 6 ديسمبر (كانون الأول) القادم.
هذا الانتصار الديمقراطي في ولاية نيفادا التي كانت الحملة الانتخابية للفائزة تقوم على حق الإجهاض للنساء، سيتيح للرئيس بايدن مواصلة مشروعه المهم على صعيد تعزيز التمثيل الليبرالي على مستوى القضاة والمحاكم. فقد تمت الموافقة على تعيين 84 قاضياً فيدرالياً و25 قاضياً في محاكم الاستئناف الذين اختارهم الرئيس بايدن. واللافت في هذا الأمر وفق صحيفة «اللوموند» الفرنسية أن 75 في المائة هم من النساء، و25 في المائة هم من «الأفرو - أميركيين» مثل كيتنغي براون جاكسون للمحكمة العليا، و17 في المائة من أصول إسبانية. وتعتقد الصحيفة الفرنسية أنه في غضون العامين القادمين إذا حدث أن شغر مقعد من المقاعد التسعة في المحكمة العليا بسب المرض أو التقاعد لأحد القضاة سيمكّن ذلك الرئيس بايدن من ترشيح قاضٍ آخر في المحكمة.
حصول الديمقراطيين على الأغلبية في مجلس الشيوخ سيتيح لهم تعطيل أي مشروع قانون فيدرالي حول الإجهاض قد يتقدم بطرحه شيوخ الحزب الجمهوري بفرض حد أقصى للحمل.
وفي مؤتمر صحافي عاجل دعا إليه تشاك شومر رئيس الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، صرح فيه بأن فوز حزبه هو انتصار حققه الشعب الأميركي وأن سبب قدرة حزبه على الاحتفاظ بالأغلبية يعود إلى ثلاثة عوامل متمثلة في حسن اختياره لمرشحيه، والبرامج وتنفيذها من إدارة بايدن، والعامل الأخير رفض الشعب الأميركي للمتطرفين المناهضين للديمقراطية من الحزب الجمهوري، جماعة «الماجاة»، بجعل أميركا عظيمة مجدداً، والذي كان قد أطلقه كشعار الرئيس السابق دونالد ترمب.
وقد أثارت نتائجهم المخيبة للآمال الغضب بين المسؤولين المنتخبين في الكونغرس مما يوحي بإمكان اللجوء إلى تصفية حسابات فيما بينهم.
ويتساءل بعض المراقبين ما إذا كان ترمب سيعلن ترشيحه لانتخابات الرئاسة في سنة 2024، أم على ضوء النتائج التي أفرزتها الانتخابات النصفية الأخيرة قد يتراجع عن طموحاته؟ وهل سيكون هو مرشح الحزب الجمهوري أم أن الحزب سيفضل ترشيح حاكم فلوريدا رون دي سانتيس الذي أُعيد انتخابه وعزز مكانته كمنافس للرئيس السابق؟
والسؤال الآخر، على ضوء ما تحقق للحزب الديمقراطي من نجاحات: هل سيؤكد بايدن «نيته السعي إلى ولاية ثانية أم اتخذ موقفاً أكثر حذراً بالتشاور مع أفراد أسرته وأجَّل قرار الترشح إلى العام المقبل؟».
وفي الخلاصة يمكن القول إن الجمهوريين لم يحققوا ما وعدوا به بـ«مد أحمر» أو حتى «تسونامي» لم يحدث، وما استطاع إنجازه الحزب الديمقراطي هو الحد من حدوث تسونامي جمهوري في مجلس النواب رغم عدم اكتمال نتائجه بعد.