نادية التركي
إعلامية وشاعرة وصحافية متمرسة تكتب بمجالات متعددة, متخصصة في اجراء المقابلات السياسية.
TT

لا تكوني كتلة راكدة!

لا أرضى لنفسي أن أتحول إلى كتلة راكدة، وأردت أن أستنهض المرأة التونسية والمصرية والليبية خاصة حيث «لم يزهر الربيع»، إلى أن تخرج من مرحلة الحداد التي أريد ردمها فيها.
وأقول لكل امرأة عاشت «الثورات» الخائبة عقلك أكبر من السواد الذي يريده لك الظلاميون، والعلم طريقك نحو الخلاص، وطاقتك إن لم تستلبيه وتنقبي عنه لن يمنحه لك أحد.. خاصة وأنا أرى تراجعا واستسلاما لم أر له نظيرا منذ عقود من الزمن، وأتساءل: هل هو اليأس.. أم الضعف؟
ومع بداية الألفية الجديدة، شهدت العديد من الدول العربية تقدما في مجال المرأة، من جوانب حقوقها وتقدما في مجال مشاركتها في البناء الإيجابي.
وفي «الربيع العربي» رأينا المرأة تتقدم الصفوف الأمامية سواء في تونس أو في مصر، لكن لم يطل انتظارنا حتى اكتشفنا أن كل ما وقع كان مجرد «فورة» احترقت بعدها كل الآمال وانطفأت أنوار «التنوير».
رأينا العجلة التي أراد الشعوب (واهمين) أن لهم القدرة على دفعها للأمام، تتدحرج بكل ثقلها إلى الوراء لتسحق الجميع خاصة المرأة.
كنا نراها باسمة ملونة مليئة بالطموح، سواء في الجامعة أو مجالات العمل، وفي أقل من ثلاث سنوات أصبحنا نرى كتلا متحركة بلا وجوه ولا ملامح.. ونتساءل: هل الحداد في هذه الدنيا والخضوع في زواياها هو السبيل الوحيد للحياة؟
انه جبن، وسبيل للهروب، وجبن من الرجعيين الذين اكتشفوا عجزهم الناجم عن سنوات من التخاذل والكسل والذي أرادوا أن يفرضوه على النساء للحفاظ على «كبرياء الرجولة» فيهم.
لكن ما يدهشني فعلا هو كيف استسلمت المرأة خاصة في بلدان مثل تونس ومصر بهذه السهولة، وتنازلت عن ألوانها، وأحلامها، وطاقتها وعقلها؟ أين ذهبت سنوات العلم التي تلقتها، وجهود وتضحيات دعاة التنوير؟.. هل هي أيضا تبحث عن الهروب والاختباء في بيت «أسود» في انتظار رضا سيدها عنها؟
طالبات بعمر الزهور يفسرن وبكل سذاجة استسلامهن على أنه روح الإيمان، فهل الاستسلام من الإسلام؟
عالمنا في أدنى درجات السلم العالمي، وجاذبية الجهل تشده نحو الأسفل، واحتدام الحروب جعل المرأة فريسة لكل الكواسر: المصورون يتاجرون بصور دموعها، وجثث أبنائها، والآباء يبيعونها بأرخص الأثمان في مخيمات اللاجئين «حماية لشرفها»، والأزواج يخونونها في ساحات المعارك بضمير هانئ بعد فتاوى «شيوخ الجهاد».
كانت قضية المرأة قبل «الربيع العربي» في منتصف الطريق، لكني أراها الآن تعود إلى بدايته. هي تعيش ملحمة الخريف، تتساقط حقوقها مثل أوراقه يوما بعد يوم. لكن ثقتي في أصالة الشجر هي التي تدفعني لحث كل النساء في عالمنا العربي على السعي لكتابة أوراق جديدة في تاريخهن ومواجهة الرجعية والأفكار الظلامية التي تريد أن تقتل كل ما في الإنسان من عقل وكرامة وطموح، وأن تؤمن كل امرأة بأنها إنسان كامل، يجب أن يكون مليئا بالطاقة من أجل العطاء لمجتمعه وبلاده، وأن ترفض أن تكون كتلة راكدة.