د. ياسر عبد العزيز
TT

لماذا «تويتر» مُهم؟

لماذا «تويتر» على هذا القدر من الأهمية، رغم كونه ليس أكثر وسائل «التواصل الاجتماعي» انتشاراً ورواجاً أو تحقيقاً للأرباح؟
هناك العديد من الأسباب التي تكمن وراء أهمية «تويتر»، والتي أدت إلى أن تكون صفقة شرائه المثيرة للجدل والمتاعب عنواناً بارزاً في مختلف وسائل الإعلام العالمية المرموقة. ويأتي في مقدمتها أن هذا الموقع بات بامتياز منصة اتصال سياسي مكتملة الأركان، وأن قطاعاً من مستخدميه يمثل النخبة العالمية في شتى المجالات، وعبره يُرسى قدر مُعتبر من أولويات العالم الجادة، ويتطور، ويتغير.
يصعب جداً أن تغيب قيادة محلية أو عالمية مؤثرة عن «تويتر»، أو تتقاعس مؤسسة رسمية عن بث رسائلها عبره، أو تقلل منظمة غير حكومية من أهميته، أو تُفتقد الدعاوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية البارزة في منشوراته. إضافةً إلى هذه الأسباب مجتمعة، فقد اشترى الملياردير الأميركي المثير للجدل إيلون ماسك تلك المنصة المُهمة. ولأنه بارع جداً في إشغال الناس بشؤونه وأفكاره، وإبقاء الأضواء الباهرة مُسلّطة عليه؛ فقد كانت عملية الشراء نفسها مثيرة بما يكفي لكي تبقى شاغلاً رئيساً للإعلام والساسة والناس على مدى أكثر من ستة شهور كاملة.
ينطوي «تويتر» على قدر كافٍ من العيوب التي تَسِمُ عالم وسائل «التواصل الاجتماعي»، لكنه مع ذلك يبقى أقل قابلية من معظمها للاختراق، وربما يُعد هذا سبباً وجيهاً لتراجع أرباحه، مقارنةً بمواقع منافسة لديها أريحية أكبر لتسليع الخصوصية، وانتهاكها، ونشر المعلومات المُضللة، وإشاعة المحتوى المُبتذل.
في الأسبوع الماضي، تصدّر «تويتر» الأخبار بجدارة كما دأب منذ أعلن ماسك نيته شراءه في أبريل (نيسان) الفائت، وفي تلك الأخبار أنه تخلص من نصف العاملين في المنصة، لأسباب بعضها إجرائي وتشغيلي، وبعضها الآخر يتعلق بأبعاد سياسية على الأرجح، وفيها أيضاً أن الرئيس جو بايدن عبّر عن استيائه حيال المالك الجديد للمنصة، ووصفه لها بأنها «تنشر الأكاذيب في أنحاء العالم».
سيمكن فهم استياء بايدن وأركان إدارته، والديمقراطيين عموماً، حيال استحواذ ماسك على «تويتر» ونياته السياسية التي عبّر عنها بوضوح أو مواربة، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى المنصة، ومساندته اللافتة لـ«حرية الرأي والتعبير»، التي تعني في جزء منها دعم الخطاب المناوئ للديمقراطيين، ومساندة دعاوى محافظة على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
يريد «تويتر» في عهد ماسك أن يلعب دوراً مهماً في مقاربة أولويات سياسية حيوية، ومعظم هذه الأولويات أميركي، والقطاع الأكبر منها يخصّ التنافس المتأجّج بين الديمقراطيين والجمهوريين، وبعضها سيكون مؤثراً في الانتخابات النيابية النصفية التي تُلهب أعصاب الجانبين وتستحوذ على اهتمامهما، وبعضها الآخر سيكون حيوياً إزاء فرص إعادة انتخاب ترمب في 2024، خصوصاً بعدما لمّح هذا الأخير إلى اعتزامه خوض المنافسة على الرئاسة مجدداً.
ومن بين التحوّلات المهمة التي نجمت عن استحواذ ماسك على «تويتر»، يبرز قراره فرض رسوم تُقدر بثمانية دولارات أميركية شهرياً للحصول على العلامة الزرقاء، التي تميّز حسابات المستخدمين البارزين، وتوثّق «تغريداتهم».
لقد لاقى هذا القرار استياءً ورفضاً واسعين من قطاعات من المستخدمين، كما أعلن بعضهم انسحابه من المنصة بسببه، على الرغم من أنه يمثل خطوة إيجابية مُحتملة نحو تصحيح أنموذج الأعمال الذي يعتمده «تويتر»، وغيره من المنصات المنافسة.
والواقع أن بعض الخلل الكامن في عالم «التواصل الاجتماعي» يتعلق بأنموذج الأعمال الذي تعتمده هذه الوسائط؛ وهو الخلل الذي يأتي من فكرة بسيطة، مفادها أن تلك البنى الضخمة المُصممة بعناية، والتي تكمن وراءها شركات عملاقة تربح عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، لا تبيع «الأُلفة والتسرية والتواصل والتفاهم» فقط، ولكنها تسعى أيضاً إلى الربح، وهذا الربح يتحقق حين تبيع بيانات المستخدمين للمعلنين. فقد بات واضحاً أن نماذج أعمال شركات التكنولوجيا العملاقة المالكة لتلك الوسائط، تتعارض من الناحية الهيكلية مع حاجة المستخدمين إلى حماية خصوصياتهم، وهم بسبب هذا الجموح أضحوا مجرد «سلع» تُباع وتُشترى.
وإذا طُبّق قرار فرض الثمانية دولارات للحصول على العلامة الزرقاء، في مقابل حماية خصوصية المستخدمين، فإن الصفقة تكون عادلة، لكن استمرار بيع بيانات المستخدمين للمعلنين، وتسليع خصوصياتهم مع دفع هذا المبلغ، سيكون ممارسة سيئة وغير مُنصفة.
يستمد «تويتر» أهميته من تمركزه الجيد كإحدى أهم وسائط «التواصل الاجتماعي» فيما يخص إرساء أولويات العالم الجادة، ولتحوله آلية اتصال سياسي على الصُّعد المحلية والدولية، ولدوره المؤثر في السياسة الأميركية تحديداً. وإذا نجح في أن يحول قدراً مهماً من اعتماده المالي على الاشتراكات بدلاً من بيع البيانات، فإن أهميته ستتزايد، حتى وإن تراجعت أرباحه.