د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

مستقبل العراق

استناداً إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021، تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5 في المائة في توليد الناتج المحلي الإجمالي للعراق، والكهرباء والغاز والمياه بمقدار 2.67 في المائة، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2 في المائة... وهذا يمثل خللاً هيكلياً في الاقتصاد العراقي؛ إذ إن مساهمات قطاعي الزراعة والمياه منخفضة جداً في توليد الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى التي تعيش نفس ظروف العراق، هذا يؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي بشكل عام والزراعة والمياه بشكل خاص.
من ناحية أخرى، يعتمد مستقبل العراق على الموارد الاقتصادية التي يتمتع بها، النفط، المياه، الزراعة، القوى البشرية، ورشادة النخب السياسية وطبيعة النظام السياسي القائم بجانب سلوك دول الجوار تركيا وإيران، حيث إن من أهم أسباب شح المياه في العراق هي العوامل الخارجية المتعلقة بدول منابع ومصادر الموارد المائية للعراق وهي دول الجوار تركيا وإيران، والعوامل الداخلية المتعلقة بالإدارة المتكاملة لموارد المياه، وعوامل التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة والفساد، وعدم الاستقرار السياسي، علماً بأن المياه والزراعة يمثلان مستقبل العراق بعد النفط.
إن الموقع الجغرافي للعراق معروف بأنه جاف، قليل الأنهار، ونسبة تساقط الأمطار والثلوج فيه أقل من باقي مناطق العالم، ودرجة الحرارة فيها مرتفعة بالإضافة إلى أن انخفاض مستوى الوعي؛ إذ إن إدارة الحكومات للمياه فيه ليست بالمستوى المطلوب، ويعدّ العراق بسبب وجود نهري دجلة والفرات واحداً من أغنى الدول من حيث المصادر المائية، ولكن العوامل الخارجية والداخلية أضرت بالعراقيين، حيث يعاني الملايين من عدم توفر المياه، وارتفعت درجة الحرارة وزحف التصحر إلى أجزاء كبيرة من العراق وانخفض دخل الفلاحين واضطروا إلى الهجرة من أراضيهم، والسبب عدم وجود الكفاءة العلمية في إدارة المياه.
تمارس العوامل الخارجية دوراً كبيراً في تعميق مشكلة العراق المائية؛ إذ إنه كما هو معلوم بأن نسبة نحو أكثر من 70 في المائة من موارد العراق المائية تأتي من خارج العراق، حيث إن نهري دجلة والفرات تقع منابعهما في تركيا، وموارد المياه المتأتية من الوديان الموسمية الطبيعية الحدودية تأتي من إيران، حيث قامت إيران بقطع أو تحويل موارد المياه هذه إلى الداخل الإيراني، كما قامت تركيا بإنشاء العديد من السدود على نهري دجلة والفرات وروافدهما، حيث إن مشروع جنوب شرقي الأناضول سيخفض الواردات المائية الداخلة إلى العراق بنسبة كبيرة، مما يؤثر سلباً على مصادر المياه والزراعة.
إن موقف العراق من تقاسم المياه المشتركة الدولية مع تركيا لنهري دجلة والفرات، هو أنهما نهران دوليان وفق القواعد والمبادئ الدولية؛ لذا فإن السيادة عليهما مشتركة.
وفيما يتعلق بالعوامل الداخلية، فإن العامل الرئيسي لأسباب شح المياه في العراق يتمثل بسوء تخطيط وتوزيع وإدارة الموارد المائية؛ إذ إن سوء إدارة الموارد المائية والخاصة بتشغيل منظومات السدود والخزانات والسدات ومنظومات الري الرئيسية على نهري دجلة والفرات لعب دوراً رئيسياً في تفاقم أزمة المياه؛ إذ أدت عوامل التغيير المناخي وارتفاع درجة الحرارة، إلى استهلاك العراق ما يفوق 60 في المائة من موارده المائية على الزراعة دون أن يسد حاجته المحلية من المحاصيل الزراعية، كما يخسر العراق نتيجة التبخر نظراً لارتفاع درجات الحرارة نحو 15 في المائة من مخزونه المائي سنوياً، وهو معدل مرتفع جداً قياساً إلى المعدلات الأخرى.
وفي الختام، هناك أربعة عوامل رئيسية مؤثرة في تناقص المياه في العراق، أهمها أن الدول المجاورة، تركيا وإيران، يقطعان المياه عن العراق وهم جزء من مشكلة نقص المياه، وقلة الأمطار الساقطة بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة والتبخر من المسطحات المائية المخزونة، والعنف الذي قامت به الجماعات المسلحة بتفجير خزانات المياه، كما أن حكومة العراق هي أيضاً عامل مؤثر، حيث ليس لديها سياسة عصرية تخص الأمن المائي بجانب الفساد، عوضاً على استخدام المياه بصورة مبذرة بعيداً عن الاستخدام الرشيد، وعلى رغم من وجود المعاهدات والاتفاقيات الثنائية بين كل من العراق وإيران وتركيا، فيما يخص القسمة العادلة والمنصفة والحقوق المكتسبة للأنهار الدولية المشتركة، إلا أنه لا توجد اتفاقيات ملزمة وفق القوانين والأعراف الدولية تسبب مشاكل للعراق مع هاتين الدولتين؛ مما يهدد وحدة واستقرار ومستقبل العراق.