د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الصمت والسكوت

يضفي الصمت وقاراً وهيبة على صاحبه. ولذلك قال الإمام علي كرم الله وجهه: «بكثرة الصمت تكون الهيبة»، وقال: «إذا تم العقل نقص الكلام». فكثرة الثرثرة قد تكشف خواء صاحبها. فالمليء خبرة أو علماً ينتقى من يستحق أن يكسر له «طوق صمته».
والصمت فضيلة وهو نوع من أنواع التواصل غير اللفظي البليغ. ولذلك قال أديب الإنجليز شكسبير: «‏هناك كلام لا يقول شيئاً وهناك صمت يقول كل شيء». وقال حكيم العرب أكثر بن صيفي: «وجدت خصلة إن استعملها المرء سترت العيوب كلها»، فقال له قس بن ساعدة: «وما هي؟»، قال: «حفظ اللسان».
والحكيم أقرب إلى الصمت منه للكلام، لأنه يبحث دوماً عبر صمته عن ضالته فيمن حوله. وقيل إن «الصمت سياج الحكمة» فمعظم أخطائنا تنشأ مما نقول، وقلة منها فيما نفعل. لأن الأفعال على الأرجح نتاج ما قيل من تطاول أو إساءة أو كلام جارح.
والسكوت أقصر من الصمت، وبطبيعته مؤقت.
فهناك من يسكت فور ما ينتابه شعور بالخوف. ومن ذلك قوله عز وجل في القرآن الكريم: «وَلَمَا سَكَتَ عَن مُوسَى لْغَضَبُ أَخَذَ لْأَلْوَاحَ». فبعد أن سكنت نفسه من نوبة الغضب أخذ تلك الألواح التي ألقاها. وفي الآية استعارة مكنية، إذ شبه الغضب بكائن حي يسكت. ويقال كذلك سكتت الريح، وسكت الجمهور، وسكت المتكلم.
والسُكوت «هو تركُ الكلام مع القُدْرة عليه». ومن هنا جاءت: «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، فهو يملك أن يتحدث لكنه آثر السكوت، لاعتبارات آنية أو مصلحية عابرة. ومنها «السكوت علامة الرضا». السكوت نابع من تردد، أو خشية، أو هاجس يعتري المرء، فيؤثر السلامة (أو السكوت). أما الصامت فهو على الأرجح قد اختار ذلك الصمت الذي قد يطول أمده. ولذلك كان التأمل قرين الصمت، وكان الصمت أصل الحكمة.
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: «أرى الرجل فيعجبني، فإذا تكلم سقط من عيني». أياً كان خيار المرء بين أن يلوذ بالصمت الطويل أو «السكوت التكتيكي» فلا يليق أن يخرق ذلك الوقار بكلام غير لائق، «فرب كلمة قالت لصاحبها دعني».