زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

دومة الجندل في صدر الإسلام

يكتنف الغموض تاريخ دومة الجندل خلال بدايات العصر الإسلامي، ويتم الاعتماد هنا وبشكل رئيسي على ما ورد في كتابات المؤرخين ومن أشهرهم ابن هشام والواقدي والطبري والمسعودي. ويبدو أن من كان يحكم دومة الجندل في ذلك الوقت تمسكوا بدياناتهم الوثنية لبعض الوقت حتى ذهب بعض المؤرخين إلى القول بأن دومة الجندل كانت بمثابة الملاذ لكل الفارين بدياناتهم الوثنية. وقد قاد النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً في العام الخامس الهجري وذلك لمنع الجنود من اتخاذ الواحة قاعدة لهم للهجوم على المدينة المنورة نيابة عن الرومان. وقيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الواحة دون قتال بعد فرار العدو، فمكث بها بعض الوقت قبل أن يعود صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. وبينما هذه هي رواية الواقدي عن تلك الحملة العسكرية، ذكر ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد إلى المدينة المنورة قبل أن يدخل دومة الجندل وبدون حرب أو قتال.
أما عن المعركة الثانية فقد وقعت في السنة السابعة الهجرية، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم على رأس تلك الحملة الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ومعه من المقاتلين لفتح الواحة وضمان عدم تهديدها للمسلمين سواء أهل المدينة المنورة أو من اعتنقوا الدين الإسلامي في ربوع الجزيرة العربية. ودخل عدد كبير من أهل دومة الجندل في الإسلام، بينما فرضت الجزية على من ظل على ديانته. وقد تزوج عبد الرحمن بن عوف من تماضر بنت الأصبغ بن عمر الكلبي، ابنة زعيم قبيلة بنو كلب المسيحية.
وكانت الحملة الثالثة في السنة التاسعة من الهجرة النبوية الشريفة؛ وبعد معركة تبوك وذلك لمنع تهديد البيزنطيين من الشمال، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه على رأس تلك الحملة ومعه مقاتلاً وذلك لمحاربة الأخيضر حاكم دومة الجندل لامتناعه عن دفع الجزية ومحاربته المسلمين. واستطاع خالد بن الوليد إجبار الأخيضر على التسليم وقد عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قبل بدفع الجزية. وقيلت روايات عديدة عن الأخيضر لا يتسنى لنا مع قلة المصادر تحقيقها أو نفيها؛ فقيل إنه دخل في الإسلام ثم انقلب وخرق الاتفاق وهرب إلى حيرة العراق حيث استطاع خالد بن الوليد قتله.
ذكر الطبري أخبار الحملة العسكرية الرابعة التي تمت في عهد الخليفة أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، وذلك في العام الثاني عشر أو الثالث عشر الهجري. وكان خالد بن الوليد هو نفسه من قاد تلك الحملة واستطاع أن يخضع الواحة منذ ذلك الحين لسيطرة المسلمين. على أن من أشهر الأحداث التاريخية التي ارتبطت بدومة الجندل هو كونها مقر المجلس التحكيمي الذي تم تشكيله من بين ممثلي الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان، وذلك فيما بين عامي و هجرية. وتظل دومة الجندل فاعلاً في أحداث التاريخ رغم معاناتها بعد أن تغيرت خريطة الطرق التجارية التي أصبحت تتبع طرق الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة كما سبق أن فصلنا ذلك في مقال سابق.