فرهاد مانجو
TT

الرعب يطارد العالم الرقمي

في أوائل عام 2009، قدمتُ للعالم بعض النصائح التقنية التي ندمت عليها كثيراً فيما بعد؛ حيث طلبت من الجميع الانضمام إلى «فيسبوك».
فقد سخرتُ من هؤلاء الذين توقف بهم الزمن عند الكتابة على السبورة، وقررت أن أدفعهم دفعاً للكتابة عبر الشاشة، وأمسكت بالمتشككين في جدوى «فيسبوك» من طيات صدر ستراتهم، ووبختهم لإصرارهم على كونهم رجعيين. كتبتُ بعد وقت قصير من إعلان الشركة البالغة من العمر آنذاك 5 سنوات، عن نموها إلى 150 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، قائلاً: «لم يعد هناك أي سبب وجيه لتجنب (فيسبوك). لقد تجاوز الموقع عتبة البدايات، وبات متداولاً على نطاق واسع، لدرجة أنه أصبح أسرع وسيلة روتينية للتفاعل الاجتماعي، شأن البريد الإلكتروني، وبات ملازماً لكثيرين مثل مضاد التعرق».
لم أكن مخطئاً بشأن «فيسبوك»، فقد كان الأمر مختلفاً تماماً عن الآن. لكنني فكرت لو أننا جميعاً قررنا مغادرة «فيسبوك» في ذلك الحين أو بعد ذلك، لكانت «الإنترنت» وربما العالم الآن مكاناً أفضل. إن مسألة ما هو الأفضل وبأي طريقة هي مسألة نقاش كبير. قد تمر عقود قبل أن نصل لإجابة عما إذا كان «فيسبوك» على وجه الخصوص، والشبكات الاجتماعية بشكل عام، قد حسَّنت أو دمرت المجتمع بشكل عام.
ومع ذلك، أياً كانت نتيجة هذا النقاش الكبير، فإن نصيحتي للناس في عام 2009 بالانضمام إلى «فيسبوك» لا تزال تجعلني أشعر بالضيق. فحجتي هي أنني فشلت في تقييم تجربة سلبيات اختراع مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ترسخت تجربة استخدامها لدى جميع أفراد المجتمع، وهو ما أوجد ثقة عميقة في شبكات التواصل، وفي فكرة أن السماح للناس بالارتباط بحرية أكبر من شأنه أن يعود بالنفع على الصالح العام، ومن شأنه أن يوجد حالة تقبل لثقافة «وادي السيليكون»، وفكرة أن أصحاب الفضل في هذا الاختراع هم الأجدر على فهمه، وما يجب فعله حيالها.
كان عليَّ أن أعلم أكثر مما علمت. ففي تلك المرحلة، كنت أغطي أخبار التكنولوجيا لما يقرب من عقد من الزمان. وكتبت عن الطرق التي كانت تحاول بها الشركات انتزاع السيطرة على «الإنترنت»، وكنت قلقاً بشأن الكيفية التي قد تؤدي بها «الإنترنت» إلى تفكيك النسيج الاجتماعي. قبل عام واحد فقط من نشر كتابي الذي يوضح الطرق التي تسرّع بها الوسائط الرقمية تحولنا نحو ما سميته عالم «ما بعد الواقع». فلماذا؟ في بداية عام 2009، هل قمت بفرض «فيسبوك» على الناس؟ لدي إجابات:
لقد انجرفت إلى إثارة التكنولوجيا الجديدة. لم يكن «فيسبوك» قد أصبح بعد أكبر شبكة اجتماعية في العالم، فقد هزم منصة «MySpace» لاحقاً في عام 2009. ولكن بحلول ذلك الوقت، كانت الشبكة التي تم تأسيسها في عام 2004 من قبل طالب في السنة الثانية بجامعة «هارفارد»، يُدعى مارك زوكربيرغ، قد ميزت نفسها عن عشرات من المنافسين، وذلك من خلال تفوقها التشغيلي؛ حيث كان «فيسبوك» سهل الاستخدام نسبياً، وكان مليئاً بأشخاص حقيقيين ينشرون بأسمائهم الحقيقية، وكانت لديها ضوابط خصوصية أكثر قوة نسبياً من عديد من منافسيها (كان «فيسبوك» في يوم ما من بين الشبكات الاجتماعية الأكثر وعياً بالخصوصية). لاحظت أن الشبكات الاجتماعية تحسنت مع استخدام مزيد من الناس لها؛ وبدا من المعقول أنه في مرحلة ما ستحظى إحدى الشبكات الاجتماعية بقبول واسع النطاق، وتصبح دليلاً شاملاً لربط الجميع.
كان هذا جوهر حجتي. لقد أصبحت مفتوناً بفائدة «فيسبوك» لسحر البحث عن شخص ما والعثور عليه بدقة، وهو الأمر الذي يبدو غير مثير للإعجاب اليوم، ولكنه كان مذهلاً في ذلك الوقت. وبصفتي مهاجراً، فقد اقتنعت أيضاً بالآثار المترتبة على تقليص العالم لمثل هذه الشبكة. فقبل «فيسبوك» كنت أشعر بانفصال تام عن أقاربي في جنوب أفريقيا. ثم في عامَي 2007 و2008، بدأ كثير منهم في الانضمام إلى «فيسبوك»، وفجأة باتت لدي نظرة شاملة على حياتهم البعيدة. في الواقع، شعرت بالارتباط بهم بطرق لم يسبق لي أن بدت ممكنة من قبل. كيف يمكن أن يكون هذا الاتصال سيئاً بالنسبة لنا؟
لم أفكر في الآثار البعيدة المدى لوجود «فيسبوك» في كل مكان. فخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، انفجرت صناعة التكنولوجيا بعدد كبير من الاختراعات الجديدة، بالإضافة إلى ظهور الشبكات الاجتماعية، فقد جلب لنا العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مواقع محتوى «أنشأها المستخدمون أنفسهم»، مثل «Flickr»، و«YouTube»، و«Reddit»، وتطبيقات قوية قائمة على السحاب، مثل «Gmail»، وخرائط «Google»، وخدمات «Amazon Web Services» للمطورين، وخدمات الوسائط الرقمية، مثل «iTunes Store» وخدمة البث عبر الإنترنت من «Netflix». ومع إطلاق جهاز «iPhone» من خلال «Apple» في عام 2007، أصبح الوصول إلى الإنترنت أمراً واسع النطاق من خلال الهواتف التي تعمل باللمس.
ما لم أفكر فيه هو كيفية تفاعل كل هذه الأشياء الجديدة المتنوعة بعضها مع بعض؛ خصوصاً مع اتصال مزيد من الأشخاص بـ«الإنترنت». ففي عام 2009، كانت «الإنترنت» لا تزال ثابتة ومقتصرة على البيت في الغالب، فثلث الأميركيين فقط كانوا يستخدمون الهواتف للاتصال بـ«الإنترنت». أدى ذلك إلى خلق فجوة واسعة بين الشخص المتصل بـ«الإنترنت» (أونلاين)، والشخص غير المتصل (أوفلاين). أياً كان الرعب الذي طارد العالم الرقمي، فلم يكن بإمكانهم الوصول إلى جيبك في أي مكان وفي أي وقت.
بالطبع، كان من المستحيل التنبؤ بآثار وجود «الإنترنت» في حياتنا. لكن بدعوة الجميع للدخول إلى «فيسبوك»، كان يجب أن أفكر وأخمن بشكل أفضل فيما يمكن أن يحدث حال انضم الجميع إلى منصة التواصل الاجتماعي.
ما هي الآثار المترتبة على الخصوصية إذا كنا جميعاً نستخدم «فيسبوك» من خلال هواتفنا؟ ما هي الآثار المترتبة على وجود هذه الخدمة في جيبك طوال الوقت؟ ما هي الآثار المترتبة على قدرة «فيسبوك» على جمع العالم معاً في مكان واحد؟ هل ستكون نعمة أكبر لمقاتلي الحرية الذين يقاتلون الحكومات القمعية؟ أم أنها -على سبيل المثال- ستساعد الأميركيين المتضررين على مهاجمة مبنى الكونغرس؟ كيف ستكون الآثار المترتبة على الكلام والإعلام إذا أصبحت هذه الشركة المنفردة غرفة مركزية لتبادل المعلومات في الخطاب العالمي؟
هذه أسئلة صعبة، بعضها الإجابة عنه مستحيلة الآن، ناهيك عن قدرتي في ذلك الحين. لكن في أقل تقدير، كان عليَّ أن أفكر في إثارة تلك الأسئلة.
نُشرت مقالتي قبل أسبوع من تنصيب أول رئيس أفريقي للبلاد، واستخدمت حملته الشبكات الاجتماعية وغيرها من الابتكارات الرقمية بطرق لم يسبق لها مثيل في السباق الرئاسي. كنت أكتب أيضاً عن أعماق الركود الناجم عن انهيار النظام المالي العالمي، وهو انهيار يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه عمل يدوي لبورصة «وول ستريت». كانت هذه هي الأجواء التي سادت وسائل الإعلام والسياسة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: لقد دمرت «وول ستريت» العالم، ويمكن لـ«وادي السيليكون» أن يصحح الأمر.
أتمنى أن أقول لكم إنني انتقدت عمليات الاندماج هذه، وعلاقة البيت الأبيض وأوباما بالتكنولوجيا. لكن شأن كثيرين في الصحافة، لم أفعل ذلك إلا بعد سنوات عديدة.
في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأوائل العقد الثاني منه، كنت أشعر بالخجل الشديد بشأن القوة المتنامية للتكنولوجيا، ورأيت ذلك يحدث؛ لكن نادراً ما أشرت إلى مخاطره. أنا آسف لذلك.