جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

لا يوجد «أحلى»

كما تعلمون، الجمال مسألة نسبية. فقد يختلف اثنان على جمالية شيء أو شخص أو حتى مكان، لأن الجمال مرتبط بالذوق والذائقة والعين. وهنا أريد أن أوصلكم إلى موقف يواجهني يوميا تقريبا. فبمجرد معرفة أنني محررة الصفحات السياحية ومتخصصة في شؤون السفر، يأتيني السؤال التالي: «ما هو أفضل مكان برأيك؟». وهنا السؤال قد يكون القصد منه وجهة سياحية أو مطعما. لأنني أكتب أيضا عن الأكل وثقافته وعن المطاعم وأشهر الطهاة العالميين، والجواب يكون دائما: «لا يوجد أحلى أو أفضل.. فهذه مسألة شخصية جدا».
«أفعل التفضيل» قد يكون مفيدا في اللغة العربية، ولكن ليس في السياحة، لأنه لا يمكن الجزم بأن هذا المكان هو الأفضل أو ذاك المطعم هو الأحلى. وسأعطيكم مثالا على ذلك. أنا أعشق البحر والوجهات الساحلية لأنني أعيش في مدينة رائعة من حيث الجمال، لكنها بخيلة من حيث الدفء والشمس، فأبحث دائما عن وجهة لا تشبه لندن، وأذهب إلى أماكن دافئة تمدني بجرعة زائدة من فيتامين «د». فتخيل لو قلت لأحد أصدقائي من منطقة الخليج بأن أفضل مكان هو الوجهة البحرية، فسيكون الرد حتما: «استمتعي بالشاطئ وحدك»، ولو أن أهالينا في الخليج ينقصهم فيتامين «د» أيضا.
من الصعب جدا أن نجزم بأفضلية المكان، لأن هناك أماكن لا تحصى من الروعة الجغرافية حول العالم. وكما قلنا، هذا الأمر نسبي، فإذا زرت جزر المالديف ستسحرك شواطئها ورمالها البيضاء، ولكن هل تستطيع العيش هناك إلى الأبد أو حتى إلى فترة تتجاوز الأسبوع؟ وبعدها قد تزور الجزر التايلاندية أو جزر سيشل أو لانكاوي في ماليزيا، وكلها لا تقل روعة عن المالديف. فكيف يمكنك أن تحدد أن هذا المكان هو الأفضل أو الأحلى؟! ولكن إذا سألتني أي شاطئ أجمل إذا ما قارنا شواطئ المالديف بشواطئ لانكاوي، وهذا على سبيل المثال، فسيكون الجواب أسهل، لأن لدي سببا ووجهة نظر وراء سبب تفضيلي شواطئ المالديف، لأنها بيضاء ناعمة، بالمقارنة مع رمال لانكاوي المليئة بالحصى.
هناك أشخاص يبحثون عن الفن والتاريخ في أسفارهم، في حين أن آخرين لا يجدون ضالتهم السياحية في المدن القديمة المليئة بالمتاحف والمعارض الفنية، فكيف يمكن أن أنصح شخصا بزيارة «ناشيونال بورتريه غاليري» في لندن إذا كان من هواة البحث عن أفضل مقاهي الشيشة في واحدة من أعرق المدن الأوروبية؟!
في النهاية، لا يسعني القول سوى أننا محظوظون بالروعة الجغرافية التي تحيط بنا أينما كنا على هذه المعمورة. ويبقى للفرد الخيار في النهاية لمعرفة ما يفضل وما يختار.
السفر ثقافة ومعرفة، يوسع آفاقنا ويجعلنا نعرف كيف نستعمل قاعدة «أفعل التفضيل» بشكل مفيد وبناء يستفيد منه الآخرون من حولنا.